د. حمد بن عبدالله المنصور
الاهتمام بالثقافة وإحياء التراث ضرورة حتمية وملحّة في الوقت الحاضر؛ يتعيّن على أدباء الأمة ومثقفيها ومؤسساتها العلمية الخاصة والعامة العناية بها، وبذل المزيد من الجهد لتقديمها للناشئة في صورة حية تعكس مكانتها وإيجابيتها وثمرتها، وتلقي الضوء على فائدتها وأثرها في تقدم المجتمع وتصحيح مسيرته وتحقيق آماله على منهج صحيح قوي ثابت، يقدم تراث الأمة بأمانة وإخلاص إلى الباحثين عن المعرفة في الماضي والحاضر، ويزود أبناءها بأنواع المعارف والعلوم التي تنير لهم طريق مسيرتهم إلى أهدافهم ومقاصدهم التي ينشدونها.
وقد أدرك هذا بعض المثقفين والعلماء والكتّاب وبعض النوادي الأدبية والمؤسسات العلمية ومراكز البحوث والدراسات ومؤلفي المناهج الدراسية في المراحل التعليمية المتقدمة.
وهو مشروع عظيم؛ يحتاج إلى عمل مؤسسي، يجمع الخبرات، ويتواصل مع مظان تلك المعلومات؛ ليستفيد منها ويقدمها لأفراد مجتمعه في صيغة واضحة، لا تكلف فيها ولا غموض، تعتمد على المادة العلمية الموثقة والخبرة، والحرص على نشر المعلومة للمتلقي.
وقد يبرز من أصحاب الهمم العالية والقدرات الفائقة والرغبات الأكيدة والإخلاص مَن يقوم وحده بهذا العمل المؤسسي، ويبرزه إلى حيز الوجود، ويمده بمعرفته وجهده وماله ووقته، كالأستاذ الدكتور/ عبد اللطيف بن محمد الحميد أستاذ التاريخ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي أسس وبنى مشروعًا ثقافيًّا تراثيًّا في محافظة شقراء في سوق البلدة القديمة (حليوة)، جمع فيه ما عنده وما حصل عليه من الوثائق والمراجع والكتب والمصادر والصور والعقود والرسائل، وغيرها من مكونات الثقافة وعناصر التراث المتعددة والمتباينة.
ويحتوي هذا المشروع على صالة كبيرة، جمع فيها كل ما عُثر عليه من تراث المملكة العربية السعودية وثقافة أبنائها، وقد زُينت بأخبار الملك عبد العزيز - رحمه الله - وبعض الرسائل المتبادلة بينه وبين العلماء والأمراء والوزراء وغيرهم. ويتفرع من هذه الصالة غرفة لتراث مدينة شقراء الثقافي المعرفي، وأخرى لمدينة أشيقر، وثالثة لمدينة القصب، وغرف أخرى لكل مدينة أو قرية في أنحاء المحافظة.
وقد دعم هذا المشروع بمكتبتين، إحداهما عامة للاطلاع، وأخرى تجارية، يبيع فيها مؤلفات أبناء المحافظة وغيرهم، مع دار نشر تهتم بطباعة ونشر الكتب التي تبحث في ثقافة المحافظة وتراثها، وتقدم خدماتها لأبناء المحافظة، ولاسيما المثقفين والقراء والمؤلفين وعشاق التراث.
ومع أن المشروع حديث الولادة والنشأة، وبإمكانات محدودة، إلا أنه يعطي ويبرز الصورة الحية الصادقة والدقيقة لثقافة المحافظة وتراثها، ولا يزال بحاجة إلى المزيد.
وهو مشروع ناجح ومميز ونادر، ويحتاج إلى تعاون ومساندة أبناء المنطقة، ولاسيما من يقتنون المواد العلمية والتاريخية والوثائقية التي تصب في محتويات المشروع ومادته الثقافية التراثية.
وهو جدير باهتمام وتشجيع المسؤولين عن التعليم والتراث في المحافظة؛ ليواصل تقدمه ونجاحه، ويحقق للمجتمع ثمرة جهد صاحبه وتضحياته بوقته وماله.. ولعله يكون أنموذجًا يحتذى في مناطق المملكة ومحافظاتها؛ فهو جدير بذلك.
شكرًا للأستاذ الدكتور/ عبداللطيف بن محمد الحميد، وشكرًا لكل المتواصلين معه والداعمين لمشروعه القيم.
والشكر الجزيل موصول لجريدة الجزيرة برئيس تحريرها وجميع منسوبيها.
وأملي معقود على أن يتواصلوا معه، ويشجعوه كعادتهم وسبقهم في كل مشروع ثقافي مفيد.