علي الخزيم
ليست كل العواصف مؤذية وتنذر بأخطار جسيمة مُحدقة، فقد تحدث عاصفة تكشف لنا سبل تدارك ما يمكن تداركه من مخاطر لم نكن نُقَدِّر عواقبها تماماً، وبعض العواصف قد تزعجنا في بدايتها غير أننا بالنهاية نرتاح لهبوبها الذي أسفر عن تبيان جوانب بحياتنا مبنية على أسس لم تكن وثيقة فأتاحت لنا تثبيت الأسس ومعاودة دراسة واقع كان لابد من إعادة النظر بتفاصيله للمصلحة العامة، وهذا التصور مشاهد ومعاش من خلال معالجة أوضاع اقتصادية تتعلق بمعيشة المواطن وتحسين دخله مع تصحيح ما يمكن تصحيحه من واقع اقتصادي تجاري كان سارياً لعقود، وارتأت القيادة الحكيمة بنظرتها الثاقبة انه من الممكن تعديل المسار للمصلحة العامة دون ضرر على أحد من الأطراف، ولصيغة اقتصادية استهلاكية تقترب من واقع حياة المواطن لتزيده ثقة بمستقبله المعيشي وتزيد من دخله وتعوِّده على مزيد من الضبط والتدقيق بمصروفاته دون الاخلال بنمط رفاهيته، إنما هو سلوك حضاري كان يجب على المواطن أن يجعله ضمن خطواته في طريق العيش الكريم بمبدأ (الادخار وضبط الصرف).
فكِّر مليَّاً دون مماراة وجدال، وحاول أن تتدارس مع نفسك أسلوب حياتك وتعاملك مع دخلك الشهري، وهل أنت ممن يُدبّر أموره بتوازن ورَوِيّة ووسطية بالصرف دون طغيان جانب على آخر؟! لو طرحت عليك (وعلى نفسي) بضع أسئلة في هذا الإطار فالأقرب أننا لن نحصل سوى على ما نسبته خمسة من عشرة أو زد عليها قليلاً لدى البعض من حيث صحة ممارساتنا الاستهلاكية والشرائية.
نعم، ستقول إن عادات اجتماعية تحكمنا لتجبرنا أحياناً على مزيد من الاستهلاك غير المبرر، وربما نتفق على أن غير المبرر لا يلزمنا، أو يمكن الحد منه والتقليل من تكاليفه؛ وكمثال: إذا دعوت الأصدقاء للعشاء (وأرجو أن لا تنساني) فلا تخجل أن تقدم لهم تشكيلة متوازنة مع شيء من المرطبات، فلم يقسم عليك أحد حين ولادتك بأنه يلزمك تقديم الخراف لضيوفك بكل مناسبة، ثم أنه لا يلزم للصداقة أن تدعو صديقك كلما قابلته أو حدَّثته بالهاتف لأن يُشرِّفك بالمنزل لتناول العشاء.
إن كانت القربى والصداقة لا تتم وتكتمل إلا بذبح الخراف وبسط الموائد المبالغ بها بزعم التكريم وتأكيد المحبة فهذه تبدو بعصرنا الحاضر من الزخرف والبهرجة، وربما عدَّها علماء النفس (والمنطق) والأخيرة من عندي! دليل على اهتزاز الثقة بالعلاقات الأخوية والأسرية، وتدنٍ بعلاقات الصداقة بين الأصحاب.
لو بدأ كل منا بعاصفة لطيفة سلسة وديّة حميمية بينه وبين أسرته الصغيرة لإيضاح الأخطاء بالممارسات الاستهلاكية والمبالغات الشرائية مما لا يلزم أو ليس ضرورياً وما يمكن إيجاد بدائل مقبولة له من شأنها الحد من الصرف الذي لا تمكن إجازته في ظل الاتجاه المجتمعي لتعديل المسار الاقتصادي لكافة شرائح المجتمع كظاهرة حضارية تتشكل بالمجتمع السعودي؛ لو حدث هذا بمفاهيم جادة لظهر لنا جيل وأجيال ناضجة تتفهم وتقدر قيمة الدخل والمال، دون بخل وتقتير، فلنبدأ بعاصفة التحضر الاستهلاكي من المنزل.