سعود عبدالعزيز الجنيدل
هل هناك ثمة رابط بين محرر الأخبار والطبيب؟ وهل يمكن أن يتشاركا في شيء يجمعهما؟ وما هو؟
في الحقيقة، هذه التساؤلات صادفتني بسبب موقف تعرضت له، بصفتي محرراً!
يمكن القول إن هناك أموراً مشتركة بين الوظائف بشكل عام، فثمة علاقات بين تلكم الوظائف، بطريقة أو أخرى، ولكن وبسبب التخصص اكتشفت علاقات خاصة بين محرر الأخبار والطبيب! سأحاول في هذا المقال المحدود كمّا، توضيح ذلك.
يمكن القول إن من أهم صفات وخصائص محرر الأخبار الموضوعية، فهو ينقل الخبر كما شاهده، أو سمعه، أو قرأه، من دون تضمين الخبر آراءه الشخصية، فلا يقبل في الخبر ذاتية المحرر، بل عليه أن يكون موضوعياً، وذلك بأن يكون متجردًا من رأيه، ومحايدًا في موقفه، وأن يذكر الحقيقة كما هي، وكما وقعت حرفياً، ويبتعد كل البعد عن التفسير أو التأويل، أو التأثر برؤية خاصة، أو مشاعر عاطفية جياشة.
وكذلك الحال بالنسبة للطبيب، فهو ينقل الحقائق العلمية، كما هي، وليس له مرجع في ذلك إلا ما توصل إليه العلم.
وأذكر في هذا السياق مثالين يوضحان ما أرمي إليه:
المثال الأول:
يكتب المحرر خبراً عن فاجعة معينة، راح ضحيتها عشرات بل مئات القتلى والمصابين، بين أطفال، ونساء، وشيوخ، يمكن وصفها بمأساة، من يقرؤها يتأثر أيما تأثر، ولكن المحرر يكون تركيزه منصباً على لغة الخبر، ومدى صحة المعلومات. وأذكر في هذا السياق، أن أحد الزملاء الأعزاء أرسل إليَّ خبرًا قمنا ببثه في موقع الوكالة، الخبر كان مفزعاً، محزناً، وكانت ردة فعلي الأولى لما أرسله: ما مشكلة الخبر!؟ هل هناك خطأ لغوي! أو في المعلومات!، ولم أظهر أي مشاعر للمأساة!.
والطبيب كذلك، وبحكم التعود على الفاجعات، خصوصًا عند نقل خبر وفاة المريض لذويه، عندما تفكر كيف يستطيع نقل خبر كهذا وبعدها يذهب لاحتساء القهوة! كنت أتفاجأ قديمًا قبل سنين مضت في ذكرى وفاة جدي - رحمه الله -، وبعدما مارست عمل التحرير وضح لي جليًا أن هذا هو السلوك المتوقع، لكون طبيعة العمل تستلزم ذلك.
ومن نافلة القول إن المحرر والطبيب يشتركان بالبحث، فالمحرر يبحث ويتقصى عن المعلومة الدقيقة باحترافية دون تحريف، كذلك الطبيب يبحث في جسد الإنسان عما يؤلمه بكل دقة واحترافية ويربطها بعلمه دون تغيير بالحقائق، كما أنهما في بعض الأحيان يحملان لنا الألم أو الأمل، بالمعلومة التي يقدمانها.
العلاقة بين المحرر والطبيب في هذا السياق واضحة تماماً، كوضوح الشمس في رابعة النهار، ومع أن الصفات الشخصية لكليهما قد تدل على أنهما من أنبل وأرق الأشخاص، وعاطفتهما تغمر البعيد قبل القريب، ولكنهما وبسبب طبيعة العمل يتجردان من عواطفهما، ليؤديا عملهما بكل دقة ومهنية، لا مكان للعواطف فيها.
بناء على ما سبق أستطيع القول «وافق المحرر الطبيب»!.