يعتبر إدمان المخدرات آفة تصيب الفرد والمجتمع فبالإضافة إلى الأمراض والمشكلات التي تلحق بالمدمن فإن البنيان الاجتماعي يتصدع وينهار، حيث تتفكك الروابط الأسرية وتتدنى قدرة الإنسان على العمل فيقل الإنتاج، كما يتزايد عجز الشباب عن مواجهة الواقع والارتباط بمتطلباته، وتتفاقم المشكلات الاجتماعية ويتزايد عدد الحوادث والجرائم.
يقول د. عزالدين الدنشاري في كتاب «أمراض العصر»: من المشكلات الاجتماعية الناجمة عن الإدمان كثرة الخلافات الأسرية والطلاق وتشرد الأبناء.
وينجم عن الإدمان تزايد حوادث العنف والاغتصاب والسرقة والقتل والانتحار، بالإضافة إلى كثرة المخالفات القانونية وانتهاك القانون.
ومن أخطار الإدمان أيضاً أنه يؤدي إلى تزايد حوادث السيارات والقطارات والطائرات.
فقد دلت نتائج الدراسات التي أجريت في فرنسا -مثلاً- على أن حوالي 90 % من حوادث السيارات ترجع إلى تعاطي الخمور.
وتشير الإحصاءات إلى أن إدمان المخدرات قد أدى إلى تزايد جرائم الاغتصاب في بريطانيا، وأن عدداً كبيراً من حوادث العنف في أمريكا ينجم عن تعاطي المخدرات.
المشكلة: أن خطراً داهماً مدمراً قد اقتحم عالم المخدرات في السنوات الأخيرة وهو مرض الإيدز حيث يصاب المدمنون بهذا المرض على أثر استعمال الحقن الملوثة بفيروس المرض الذي ينتقل من شخص مدمن مصاب بالمرض إلى شخص آخر غير مصاب، وبذلك ينتشر المرض في عدد كبير من الأفراد، ويسبب هذا الانتشار العديد من المشكلات الاجتماعية، التي لا حصر لها.
ومن الأخطار الاجتماعية التي تهدد كيان المجتمع، تزايد عصابات تهريب المخدرات، حيث تمثل هذه العصابات أبلغ الخطر على سلامة الأفراد وأمن الدول، حيث تقترف هذه العصابات أبشع الجرائم ضد كل مَنْ يتصدى لهم من أفراد المجتمع، وبخاصة رجال القانون ورجال سلاح الحدود ومكافحة المخدرات، إضافة إلى استدراج المجرمين لعدد كبير من الأبرياء الذين يتحولون بدافع الخوف أو التهديد أو الإثراء إلى مروجين للمخدرات.
تبيّن الإحصاءات التي أجريت في بعض الدول ضخامة الخطر الاجتماعي الناجم عن تعاطي الخمور والمخدرات.
حيث دلت الإحصاءات التي أجريت في أمريكا على انتشار الإدمان بين مراهقين تتراوح أعمارهم بين 12-17 سنة، وأن حوالي 93 % من جميع الأفراد في هذه المرحلة من العمر قد تناول الخمور، من بينهم 1.2 مليون مدمن للخمر.
وتدل الإحصاءات أيضاً على أن أكثر من 13 مليوناً من الشباب يتعاطون الماريجوانا يومياً، بينما يتناول أكثر من 4 ملايين الكوكايين.
مما لا شك فيه، أن هذه الأرقام تعكس الأثر الاجتماعي الخطير للمخدرات في ملايين الشباب في المراحل التعليمية، وما يترتب عليه من تخلفهم في التحصيل العلمي الثقافي والتربوي.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن كثيراً من الدول تتكبد خسائر فادحة نتيجة الإدمان وتجارة المخدرات لها أبلغ الأثر في المسار الاقتصادي لهذه الدول ويؤدي انتشار إدمان المخدرات إلى كثرة إنفاق الأموال من أجل مكافحة تهريب وتعاطي المخدرات ومحاكمة المخالفين وتنفيذ العقوبات وعلاج المدمنين.
كما ينجم عن الإدمان تزايد نسبة العاطلين عن العمل والإنتاج، إما بسبب أمراض الإدمان، أو بسبب إهمال المدمن لعمله، وقد يترك العمل لساعات طويلة لتعاطي المخدر أو البحث عنه.
يقول د. عبدالله البكيري في كتاب «أمراض العصر»: نتيجة الإدمان والمخدرات، يزج بجزء كبير من المدمنين وتجار المخدرات والمروجين في السجون، فيتركون أسراً مفككة ضائعة، ففقدت عائلها، وبذلك ساءت حالة هذه الأسر المادية فأدى ذلك إلى انحراف بعض أفراد تلك الأسر نحو الجريمة والضياع.
وهناك خسارة مادية بسبب إنفاق الأموال الطائلة من أجل الرعاية الصحية والاجتماعية للمدمنين وبناء المصحات والمستشفيات التي تعالج الإدمان إضافة إلى تكاليف العلاج.
وتمثل الأموال التي تنفق من أجل مكافحة مرض الإيدز الذي قد ينجم عن الإدمان، خسارة اقتصادية كبيرة، ولقد قررت منظمة الصحة العالمية في منتصف الثمانينات، أن حوالي عشرة ملايين فرد يحملون فيروس الإيدز في العالم.
وإذا كانت الأموال التي تنفقها الدول في مجال الخدمات والإنتاج والتنمية تعود بالنفع عليها، فإن الأموال التي تنفق في مجال تجارة المخدرات وتعاطيها تعتبر أموالاً ضائعة لا تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، بل يعد إنفاقها مزيداً من الخسائر والتدهور والانهيار الاقتصادي.
إن الوقاية خير من العلاج في مجال الإدمان ولذلك نجد أن الحكومات تهتم اهتماماً بالغاً بمكافحة تجارة المخدرات والضرب بأيد من حديد على التجار والمدمنين، كما تهتم الحكومات والهيئات الدولية المعنية بالحد من انتشار الإدمان ودراسة العوامل التي تؤدي إليه وعلاج المدمنين وتأهيلهم، كما تهتم بتبصير الأفراد بأخطار الإدمان وعواقبه.
ومن ثم، فإنه ينبغي على الأفراد والأجهزة الحكومية والدول أن تولي ظاهرة المخدرات ومشكلة الخمور وقضية الإدمان الاهتمام الكافي وأن تقدم العلاجات الناجعة في سبيل التصدي بحزم وصرامة في وجه تلك الآفات.
لذا، علينا جميعاً أن:
1) نجرم زراعة النباتات التي تحتوي على المخدرات مثل الأفيون والحشيش والكوكايين.
2) ننظم حملات لمكافحة الإدمان تقوم بها أجهزة الإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون.
3) نهتم بتدريس مقررات عن أخطار المخدرات وعواقب الإدمان على مستوى المدارس والجامعات، إضافة للاهتمام بدراسات وأبحاث الإدمان لإيجاد الحلول المناسبة منه والحد من انتشاره وعلاج المدمنين على أسس علمية دقيقة.
4) نبين للأسرة مسؤوليتها الكبيرة في حماية الأطفال والشباب من السقوط في هاوية الإدمان.
5) نرفع مستوى العلاج والخدمات والرقابة الفعالة في المستشفيات والمصحات المختصة في علاج المدمنين، مع الاهتمام بمتابعة المدمن متابعة صحية واجتماعية بعد خروجه من المصحة أو المستشفى.
6) ننشئ أقساماً دينية في كل مستشفى تكون مهمتها تبصير المدمنين بأمور دينهم ودنياهم، وتعميق جذور الإيمان في نفوسهم وتطهيرها من براثن الرذيلة والفساد.
ختاماً أقول: إن خطر المخدرات لا يقتصر على الأمراض بل هناك انحدار المستوى التربوي والتعليمي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي. وهذا يدعونا جميعاً أن نقول بصوت واحد مرتفع : كفى مخدرات…