فيصل خالد الخديدي
مرَّت علاقة مفهوم الفن والجمال بمراحل مد وجزر وصلت في بعض الرؤى الفلسفية إلى التطابق بينما اكتفت رؤى أخرى ببعض التعالقات بين المفهومين فيما جنحت رؤى ثالثة إلى التضاد والتنافر بين مفهوم الفن والجمال... فالجمال عند السفسطائيين اليونان ذاتي يتغيّر بتغيّر الأفراد ونسبي يتغيّر بالمكان ويتطور بالزمان، أما الفن فظاهرة إنسانية ومهارة مكتسبة فكانت فلسفتهم قائمة على النزعة الإنسانية واستبعاد الموضوعية وإلغاء دور الموهبة وإعلاء دور الحرفة على حساب الفن.
أما الجمال عند سقراط فهو ضمير باطني موضوعي لا يتغيّر بتغيّر الأشخاص ومعايير الجمال معايير عقلية لا حسية، والفن عند سقراط وسيلة لغاية أخلاقية لا ذاتي الغاية للفن.
والجمال عند أفلاطون ربطه بالحب الإلهي وظهر بمستويات متدرجة من الجمال المحسوس مروراً بالجمال المعقول وصولاً إلى الجمال المفارق أما الفن فإما فن مرفوض منقوص وهو الذي يحاول محاكاة الطبيعة، وهو محاكاة سطحية تحاكي عالم الحس، والفن المقبول وهو الفن القائم على المشاركة في المثل ومحاكاة لجوهر عالم مثالي، فيما رأى أرسطو الجمال كامن في العقل أما الفن لديه ليس محاكاة لكل جمال، بل أنه محاكاة جميلة لكل شيء حتى لو كان منظراً سيئاً وغير جميل، وإخراج الطبيعة عن طبيعتها ويهدف الفن لديه إلى التطهير.
ويرى أبو نصر الفارابي الجمال يتحقق بترتيب الموجودات على حسب نظرية الفيض المعدلة (الإفلاطونية الأصل) إلى ست مراتب تتمثَّل بالموجود الأول (الله سبحانه وتعالى) ثم تتالى الموجودات بالعقل الأول, والعقل الفعَّال، والنفس، والصورة، والمادة ... أما الفن لديه فنسبي ويأتي بقدر اتصال الفنان بالذات الإلهية.
والجمال عند أبوحامد الغزالي عقلي نسبي يتصل باليقين ويقترن بالظاهر، أما الفن فيسهم في نقاء الروح واطمئنان النفس وأثر ذلك في المساهمة في التقرّب إلى الله.
والجمال كمال وإجلال عند محيي الدين ابن عربي ويقوم على نظرية معرفية تذهب بأن الرياضة الروحية ترقق الحجاب بين الإنسان وخالقه، وميز في فلسفته الجمالية بين الجمال والجلال والكمال، وأن جمال الخالق مطلق وجمال البشر نسبي ووجود الخالق حقيقي والمخلوق وجوده وهمي قائم على الحواس ..... يتبع