د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
تحدثنا في المقالة السابقة عن الحملات الإعلامية ضد المملكة من مواقف سلبية ونمطية، وسنلقي الضوء اليوم عن محاور تلك الحملات وسنطرح بعض التساؤلات حول الادعاءات والافتراءات الباطلة التي شملتها.
يمكن القول إن هذه الحملة الإعلامية تشتمل على ثلاثة محاور، يدور أولها حول محاولة بعض أصحاب هذه الحملة الربط بين الوهابية وبين التطرف الديني وعدم التسامح. الذين يرون أن الإرهاب يأتي من التطرف، ما يعني - من وجهة نظرهم - أن بذور الإرهاب توجد في التعاليم الوهابية.
ولما كانت المملكة تعتز بأسس دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فلقد وجد أعداء المملكة مدخلاً حاولوا من خلاله ربط المنهج الإسلامي في المملكة بالإرهاب.
ويرى متخصصون في الدراسات الشرقية والإسلامية، أوروبيون وأمريكيون، أن هؤلاء يكتبون عما لا يعرفونه، ويتساءل بعضُهُم، كيف يكتبون عن شيء لا يعلمون به؟
ويلاحظ مراقبون أن ظاهرة الإساءة إلى الإسلام، عبر الإساءة إلى الوهابية وشيخها، ظاهرة جديدة ومؤسفة في الصحافة الغربية. وأن درجة جهلهم بالمنهج الإسلامي في المملكة، لا تقل عن درجة جهلهم بالوهابية. فالمملكة تتميز بتمسكها بأصول الدين وحرصها على العقيدة الإسلامية، وتتميز باهتمامها بمظاهر العلم والتقنية الحديثة.
أما المحور الثاني في حملات تشويه المملكة، والهجوم على سياساتها وثوابتها، فيتمثّل في الافتراء الثاني، حيث يربطون بين المملكة وبين التطرف والإرهاب، متمثلاً في وجود بعض السعوديين ضمن قائمة المتهمين بأحداث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
هنا، يفرض السؤالُ نفسَه: كيف يتناسى هؤلاء ما تعرضت له المملكة من موجات إرهابية، استهدفت أرواح أبنائها ومؤسساتها، في عمليات متتابعة ومتتالية في إصرار من جماعات العنف المسلّح على تخريب وتدمير المباني والمنشآت السعودية التي استهدفوها، خلال أكثر من عقدين من السنوات، نالت خلالها المملكة من الإرهاب أكثرَ مما نالته دول وشعوب أخرى؟
وسؤال آخر حول الموقف «العملي» للمملكة من الفكر المتطرف وجماعاته، أفراداً ومنظمات: كيف يتناسى هؤلاء مواقف المملكة ضد الإرهاب، ومقاومتها - عملياً وبشكل علني يعرفه العالم كله - كافة أشكال العنف والتطرف، ومقاومة أجهزتها الأمنية للجماعات المنظّمة؟
وكيف يتناسى أصحاب الحملات الدعائية - التي تستهدف «رمزية» المملكة وموقعَها الإسلامي - ما قامت به الأجهزة الأمنية في المملكة من جهود على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية في مواجهة الإرهاب، ومحاصرة جماعاته ومنظماته، وتجفيف منابعه، وتعقبه في جذوره، أفكاراً وأفراداً وجماعات؟
كيف يتمسكون بهذا الربط غير المنطقي، بل وغير المعقول، بين السعودية والتطرف ويهملون مواقف المملكة الطويلة في محاربة الإرهاب، وفي اتخاذ مواقف وسياسات اقتصادية وسياسية دولية مشرِّفة ضد الإرهاب؟
إن حقيقة الأمر التي لا يختلف عليها اثنان في عالمنا المعاصر، هي أن التطرف والإرهاب تهمة لا يمكنُ لأي عاقل منصف أو موضوعي أو محايد، أن يلصقَها بالسعودية بأيّ حال من الأحوال، بل مهما أوتيَ من اجتراء على الواقع، وتجاوز في الافتراء.
وتدفعنا هذه التساؤلات والملاحظات إلى طرح سؤال آخر مهم، حول أسباب الحملات الغربية المشوّهة عمداً للمملكة. لماذا هذه الحملات الإعلامية؟ حملة وراء أخرى - من جانب مؤسسات إعلامية كبرى، صحفية وشبكات تليفزيونية ومواقع إلكترونية - ضد المملكة؟
وإذا كانت الحملة الإعلامية ضد المملكة تقوم على ادعاءات وافتراءات باطلة، فمن المهم أن نتساءل عن الأسباب التي تقف وراء هذا الهجوم الإعلامي المغرض.
هذا ويرى بعضُ الباحثين أنه إذا جاز لنا أن نحكم على الحملات المغرضة في الصحف الغربية، من أسماء الكتاب المشاركين بها، أو من المؤسسات الصحفية التي تتبناها، فإنه يمكننا التمييز بين سببين رئيسيين يمكن القول بأنهما يقفان وراء هذا الهجوم الإعلامي الكاسح على المملكة.
يتعلق السبب الأول في حقيقة أن بعض الأقلام الصهيونية كانت تتربص بالمملكة منذ بداية التسعينيات الميلادية. فقد تحمّلت المملكة مسؤولية قيادية في تقديم الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، في وقت كانت تتمتع فيه بإستراتيجية ونفوذ قوي في علاقاتها بالغرب، الأمر الذي مكنها - في كثير من الأحيان - من تحقيق تأثير ملموس على السياسات الغربية، والحصول على بعض المكاسب لصالح القضية الفلسطينية.
ولا شك في أن مواقف المملكة في دعم القضية الفلسطينية، قد أغضبت الكثير من الأقلام الصهيونية، التي لم تتمكّن في السابق من مهاجمة المملكة بشكل قوي ومباشر. فلم يكن مكننا لتلك الجماعات من اتهام المملكة بمعارضة السلام، لأن المملكة هي التي قدمت أول مبادرة سلام معقولة ومقبولة لتسوية مشكلة الشرق الأوسط. وقد وجدت هذه التيارات الصهيونية الإعلامية فرصة لا تعوض في أحداث سبتمبر، لربط المملكة بالإرهاب، بقصد تشويه سمعتها. فقد كانت الفئات تتربص بالمملكة، وقفزت عندما جاءتها أول فرصة سانحة.
ووفقاً لمقالة للدكتور عثمان الرواف في صحيفة الشرق الأوسط، فإن السبب الثاني الذي يمكن أن يفسر الحملة الإعلامية ضد المملكة، يتعلق بالتيارات العلمانية اللا دينية الموجودة في أمريكا وأوروبا، فهذه التيارات تعارض أي منهج ديني محافظ.
أما من حيث الشكل، فإن منابعَ الحملة على المملكة، تأتي من بعض مراكز البحوث وعدد من مؤسسات الفكر والرأي، والرؤوسَ التي تقودُها تعبّر عن اتجاهات علمانية معادية للدين من الأساس، فضلاً عن أن يكون الدين الذي تستهدفه هو الإسلام. من هنا، تطرح طبيعة الحملة الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها المملكة في الغرب، وطبيعة القيادات التي تتبنّاها - وإن عَلت صوتاً حيناً وخفتَت صوتاً في أحيان أخر - شكلَ المواجهة، وأساليب الرد على مضمونها.
هنا، يأتي دور الجامعات وأجهزة الإعلام، مما يوضح أهمية المسؤولية التي يتحمّلها رواد القلم والفكر والصحافة والثقافة والإعلام، في تفهم أبعاد هذه الحرب الإعلامية ضد المملكة والتصدي لها، وإن أيّ مناقشة كاملة للعاصفة الإعلامية الهجومية التي هبت على المملكة، ينبغي أن تشتمل ولا تقتصر على مضمون الحملة الإعلامية ضد المملكة، وأسبابها، وطرق التعامل معها.
ومن الضروري هنا الإشارة إلى أن القولَ ببطلان «أسانيد» ومزاعم هذه الحملة الإعلامية، وتوضيح المغالطات التي تتضمنها، وعدم صحة المعلومات المذكورة فيها، لم يأت من الكتاب السعوديين والعرب فقط، ولكنه جاء أيضاً من مصادر غربية ومن أكاديميين منصفين في الإعلام الغربي نفسه، أبدوا دهشَتَهم من تجاوز هذه الحملة حدود المعقول والمقبول، حتى أن أحدَ الرسميين الأمريكيين في تعليقه على المقالات الصحفية التي صدرت ضد المملكة، في الفترة التي تلت هجمات سبتمبر قال، وفقاً لمقالة الدكتور الرواف، لا أدري من أين يأتون بكل هذه الادعاءات غير الصحيحة، والمعلومات التي لدينا عن السعودية، هي عكس ما يقولون تماماً.
ولعل أفضل الردود على كذب الافتراءات الغربية، حول علاقة السعودية بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، هو ما تَردُّ به الولايات المتحدة نفسها، من خلال أجهزتُها الرسمية والإعلامية، إذ كشف رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «جون برينان» أن الجزء السري من تقرير لجنة تقصي حقائق «هجمات 11 سبتمبر» أثبت عدم تورط السعودية في الأحداث.
وكان «برينان» قد قال أيضاً في مقابلة أجراها مع قناة «العربية» السبت 11 يونيو «أعتقد أن الصفحات الثماني والعشرين، السرية من التقرير الكونغرس الأمريكي عن الهجمات ستنشر، وأنا أؤيد نشرها، والجميع سيرى الأدلة بأن الحكومة السعودية لا علاقة لها».
ووفقا ل «روسيا اليوم» فإن «برينان» قد وصف الجزء المؤلف من 28 صفحة، بأنه مجرد «مراجعة أولية» قائلاً: «اتضح لاحقاً حسب نتائج التقرير، عدم وجود أي ارتباط للحكومة السعودية كدولة أو مؤسسة أو حتى مسؤولين سعوديين كبار في اعتداءات 11 سبتمبر».
كيف يمكن التعامل مع الحملة الإعلامية ضد المملكة ومواجهتها؟
هذا ما سنتحدث عنه في المقالة القادمة.