د. محمد بن إبراهيم الملحم
تغلق المدارس أبوابها لاستراحة بسيطة يعود بعدها الطلاب، لكنها لا تكون استراحة لمن يتعاملون مع المبنى المدرسي بل فرصتهم للتعامل معه لأية إصلاحات تتطلب عدم تواجد الطلاب، وبقدر نجاح الإدارة التعليمية في برمجة أعمالها مع المدارس الأكثر احتياجًا في هذه الفترة بقدر ما يكون نجاحها في حسن استثمار الزمن وفرصه المتاحة، والحديث عن الصيانة ذو شجون لكنما غاية الأمر أنها محل شكوى مستمرة في الجودة والسرعة فمستوى الجودة يتناسب مع مستوى جودة العامل الحكومي وتدريبه سواء تدريبه القبلي أو تدريبه على رأس العمل وكلاهما ضعيفان لم يعط فيهما أبناؤنا المواطنون من فئة الفنيين حقهم من الرعاية، وأما السرعة فتلك قصة طويلة تتناوشها عوامل كثيرة ومعقدة تبدأ من سوء الاتصال في إرسال طلب الصيانة ولا تنتهي بفرقة الصيانة التي تتجه إلى مدرسة خلاف المدرسة المستهدفة، وأبرز عقدة في موضوع السرعة هي توفير القطع الاستهلاكية للصيانة فعملية الشراء الحكومي بمراحلها الشهيرة كلها تضرب أطنابها في سيرة كل قطعة ركبتها فرق الصيانة الذاتية في المدارس ولا تسل كم تستهلك من «الأيام» لشرائها!
عقود الصيانة هي أفضل حل لمشكلة تردي الصيانة بالمدارس ولكنها حظيت بعدة نقاط ضعف كل منها تكاد تقضي عليها، فهناك أولا طريقة التعاقد بالمنافسة العامة حيث تبنى على قائمة مقاولين «مصنفين» يمكن أن يدخل فيها من لا يملكون القدرة الحقيقية على مواجهة واقع صيانة المدارس، وثانيا بنود التعاقد التي يجب أن تؤسس بطريقة مرنة تستجيب لعاجلية طلبات الصيانة المدرسية أبرزها إجراءات ومعايير تأمين القطع الاستهلاكية، وثالثا تصرفات وزارة العمل غير المنطقية بعدم منح المقاولين عدد العمال المطلوب حسب تأييد وزارة التعليم (الجهة المستفيدة)، ورابعا عدم إلمام كثير من المقاولين (كبارا كانوا أم صغارًا) بما يتطلبه العمل مع المدارس وما به من خصوصية، وأرى أن تقدم لهم برامج تدريبية للإلمام بمتطلباته إداريًا أو تنظيميًا وتكون قبل التقديم ليفهموا ما هم مقبلون عليه قبل المنافسة، وكذلك تقدم بعد منح العقد ليطلعوا على تفاصيل أكثر دقة توضح الطبيعة الخاصة للمدارس ومتطلبات التنفيذ بفعالية وكفاءة. وخامسًا: ينبغي تدريب موظفي الصيانة الإداريين بإدارات التعليم ومديري المدارس وفرق عمل الصيانة الميدانية ليفهموا شروط هذه العقود وبنودها ويتعرفوا على الحقوق والواجبات ومسؤليات كل طرف بما يمكنهم من متابعة العمل والاستلام من المقاول ضمن نطاق الكفاءة والجودة المطلوبة منه، وبدون ذلك فإن العلاقة بين المقاول وممثلي الوزارة أيا كانت مستوياتهم ستظل نهبًا للاجتهادات الشخصية التي غالبًا ما تؤول إلى أن المقاول يقبض مستحقاته الشهرية دون ضمانات حقيقية أنه قام فعلا بما يجب عليه.
مشكلة أخرى تعصف بقطاع الصيانة (والإنشاء أيضًا) وهو أن مهندسي الحكومة بدون كادر وظيفي خاص بهم! فهم على نفس كادر المراتب الإدارية، ومع أنه أمر يصعب تخيله لكنه الواقع أيها الأعزاء، الطبيب والمعلم والعسكري والفني والقاضي كل هؤلاء تخصصات تختلف عن الموظف الإداري العادي وقد وضعت لها كوادرها المهنية الخاصة بها بينما بقي المهندسون ضمن كادر الموظفين الإداريين! وبدون شك، فإن هذا المعول يهدم جودة العمل الهندسي ويلقي بها في غيابة الجب مع ضياع حقوقهم وهوياتهم وعدم شعورهم بقيمة تخصصهم العلمي الهندسي «المرموق»، أو ما يفترض به أن يكون كذلك، آسف إن صعقتكم هذه المعلومة لكنها حقيقة لا يمكن إخفاؤها تتسبب في أن وظيفة مهندس في الحكومة لن يقبل عليها المتفوقون الذين تخطبهم الشركات وتطلب ودهم، ومن قبل بها لظروفه الاجتماعية في عدم البعد عن منطقته أو ما شابه ذلك فهو يعيش حالة الإحباط لغياب الكادر الذي يقدر التخصص، وأترك لكم إكمال بقية القصة...