(مدينة نيوم) هي موقع ومكان الحالمين الذين يريدون خلق شيء جديد في هذا العالم..
بهذه الكلمات المعبرة أطلق صاحب السمو الملكي الامير (محمد بن سلمان) ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع (حفظه الله) مشروع (نيوم). ذلك المكان الذي يحتضن التكنولوجيا والصناعات وإبداعاتها وكل ما يتعلق بها. وهو المكان الذي تتجسد فيه الأحلام واقعا بفضل نخبة العقول المبدعة وصفوة الكفاءات الخلاقة.
وإن هذه النظرة هي نظرة الفكر الذي يستشرف المستقبل قبل الأوان ليحجز للمجتمع مكانا متقدما في صفوف الأمم التي لا تكفي نفسها فحسب. بل تصدر الإبداع في كل اتجاه. ويتضح أثر المبادرة الطموحة ذات النظر البعيد جليا في أيامنا هذه ونحن نشهد ثورة تقنية ليس لها حدود، قد بدأت تطرق كل باب في التجارة والصناعة والأمن والدفاع.
فإننا نرى أنفسنا على أعتاب مرحلة واعدة تحقق لهذا المجتمع الكريم واقعا مغايرا يجعل من الوطن ورشة عمل ضخمة تدور وفق عزم وإصرار في اتجاه التقدم والتنافس ومضاهاة المجتمعات التي تقدمت تقنيا وصناعيا ومدنيا وبيئيا. وإن الفكر الطموح الذي تمخضت عنه رؤية الأمير الشاب المخلص تجاه مستقبل هذه البلاد يرى احتواءه على تصور يصحبه عزم على تحقيق آليات لا تلبث سريعا أن تصبح في طور المباشرة لتحقق نتائج مبهرة تتوافق وأهداف رؤية المملكة.
فنحن بالفعل أمام برنامج مرسوم وخارطة طريق يحقق تنفيذها مستقبلا زاهرا ينوب كل مواطن ومبدع منه الشرف والاعتزاز. إذ يساهم كل كفؤ بعلمه وسلاحه الفكري في وضع بصمة مشرفة لهذا الوطن، وفيما يخص (مدينة نيوم) وإنني واثق من أن الجميع بين صغير وكبير وعلى كافة المستويات ودرجات العلم والثقافة سيجدون أفكارا تحمل في كل جزئية منها حُباً وطموحا وعزما على النهوض بهذه البلاد، وسيرون كل شبر في أرض الوطن وفق نظرة جديدة تحمل مقومات النهضة والعمران والإبداع وكل ما يفيد الوطن.
ومن هنا، لابد في هذا المقام من أن نذكر بكل التقدير مبادرات الشباب الطموح، وأولها مبادرة المخترع الفذ الدكتور (علي بن محمد الركف) مؤسس (كود محمد بن سلمان) صاحب الرؤية العبقرية 2030م، وهي المبادرة التي تمثلت بأفكار بناءة واعدة في اتجاه امتلاك التكنولوجيا الاستراتيجية. ولقد عبر الدكتور (الركف) في لقائه الصحفي مع صحيفة (Media in -ميديا ان) الالكترونية عن فكرته البناءة ومدى تناسقها وانسجامها مع الرؤية الواعدة (2030م) من حيث ضرورة أهمية استشراف المستقبل وفق نظرة القيادة الحكيمة لجعل المملكة نموذجا اقتصاديا عالميا في مقدمة الدول. كذلك بين الدكتور (الركف) آماد القادم من التكنولوجيا ونماذج الاعمال مما سيكون له أثر بليغ في تغيير خارطة الاقتصاد العالمي حين يصبح بالإمكان اختزال المدة الزمنية إلى ساعات بعد أن كانت تستغرق عقودا وسنين، وذلك عبر الاستفادة من التقارب الزماني والمكاني بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بفضل تكنولوجيا المعلومات وتطور الاتصالات.
وأضاف (الركف) بأن المملكة من خلال رؤية (2030) تسعى إلى تحقيق النمو والتقدم بشكل يختلف تماما عن الرؤية التقليدية السابقة التي كانت تستند فحسب الى النفط كمصدر وحيد للصادرات. وإن مثل هذا الحال المتميز الجديد سوف يدخل مباشرة في ضخ الموارد إلى البلاد بعد أن يصبح تعدد وتوزع مصادر الدخل اساسا للنظرة الاقتصادية. ولئن كان مشروع (كود) قد وجد كل دعم من ولي العهد الامين لامتلاك التكنولوجيا المتقدمة وتحليلها وتطويرها وتصديرها، فإن ذلك الدعم يؤكد تشكل مفهوم سياسي واقتصادي جديد يحقق الاستقرار الثابت والمشاركة المعرفية والتجارية الهادفة نحو النمو المستمر للمملكة ودول المنطقة. وان تركيز مشروع (كود) على اجتذاب وامتلاك التقنيات العلمية المتطورة لابد أن يفضي إلى جعل هذا الامتلاك بمثابة أسلحة جديدة فعالة حازتها البلاد لتفيد منها وتستفيد في مجال الأمن القومي، والامن الغذائي، والطاقة البديلة، ومصادر المياه.
لقد كشف المخترع الدكتور علي الركف في لقائه الصحفي أن مشروع (كود) يمتاز بتقنيات عالية السرعة تستطيع تفكيك وتحليل شيفرات البنية التكنولوجية لأيتكنولوجيا متقدمة استشراف مستقبلها، وتركيب التصور التكنولوجي المستقبلي لها، وصياغتها بهوية سعودية عالمية مشتركة.
إن مدينة (نيوم) أو ما يندرج تحتها من أفكار ومشاريع كمشروع (كود) الواعد أو ما يمكن أن يتبع، فأن الرؤية الطموحة لسمو ولي العهد قد أخذت بعين الاعتبار عوامل وروافد الدعم المتمثلة بالمظلة النظامية والقانونية، والتشريعات التي من شانها حماية العطاء والابداع والاختراع. وتعتبر الخطوات التي اتخذتها المملكة في مجال الملكية الفكرية وحمايتها خطوات هامة مخلصة ترتبط ارتباطا وثيقا بأي من المنجزات على اختلاف أشكالها ومصادرها. ذلك أن حق الانسان في حماية نتاج فكره وثمرة جهده مصونة وفق حماية الملكية الفكرية في المملكة العربية السعودية هي إنجاز هادف مخلص يتميز بقوانين بناءة تنطلق في سننها وآليات تنفيذها من الشريعة الإسلامية من الكتاب والسنة، وانسجام مع الأعراف الاصيلة واجتهادات الفقهاء، ولقد اتخذت حكومة المملكة ما يلزم في هذا الشأن عبر اصدار الأمر السامي المتعلق بقوانين حماية الملكية الفكرية، حيث وجهت الجهات المعنية والقطاعات الحكومية التي استجابت بدورها حتى أثمرت الجهود عن تمام انضمام المملكة الي منظمة التجارة الدولية في عام 2005 م، وأضحت المملكة منذ ذلك العام العضو رقم (149) تساهم بشكل ملموس في تحسين الأداء الاقتصادي والتجاري نتيجة التقيد بما التزمت به تجاه قطاع الملكية الفكرية.
وكان لوقوف الدولة وراء حقوق المخترعين والمبدعين أثر كبير في حمايتهم من التعدي على منجزاتهم، وحصانتهم عبر توثيق براءات اختراعاتهم وعلاماتهم التجارية، ومؤلفاتهم، في ظل تحديات التجارة الإلكترونية والفضاء الالكتروني المفتوح. وكانت الحماية الفكرية ركيزة أساسية تناسقت تحت مظلة الرؤية الواعدة2030م، وكان لقرار مجلس الوزراء في إقرار إنشاء (الهيئة السعودية لحقوق الملكية الفكرية) الأثر الطيب في نفس كل مواطن من مثقف وأديب وكاتب وفنان ورسام وموسيقي ومؤلف وباحث ومخترع وصاحب علامات تجارية. ولقد عكس قرار المجلس الموقر قصارى الاهتمام والحرص من الراعي الأول للثقافة والمعرفة خادم الحرمين الشريفين الملك (سلمان بن عبدالعزيز) يحفظه الله، وراعي وداعم المخترعين وجيل الشباب صاحب الرؤية الواعدة المخلصة صاحب السمو الملكي الامير (محمد بن سلمان بن عبد العزيز) ولي العهد نائب رئيس. مجلس الوزراء وزير الدفاع رعاه الله.
واني أتمنى لهذه الهيئة التي تشكل مظلة الحماية للإنجاز بأشكاله أن تربط مباشرة بمجلس الشؤون الاقتصادية، خاصة وأننا نمر في مرحلة حيوية تشهد تحولا إيجابيا بارزا في القطاع الاقتصادي والتنموي والاستثماري. وضمان سرعة التوافق مع الأنظمة المحلية والعالمية بما ينسجم مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها المملكة. ولعل ذلك يكون أساسا يخدم الرؤية والتحول الوطني.
إن مكانة المملكة وضخامة اقتصادها، وكونها إحدى دول مجموعة العشرين، والأكبر اقليميا وعربيا، هي وقائع حتمت وضعها في مركز متقدم في التشريعات وسن الانظمة. وليست موافقة مجلس الشورى على مشروع نظام نقل وتوطين التقنية الا تأكيدا على الحرص على مواكبة المملكة للتطورات العلمية والتقنية، والالتزام بحماية الملكيات الفكرية في مختلف المجالات. وإن مواد هذا النظام قد راعت وفق حرص ووعي مسائل رفع كفاءة القاعدة التقنية وبناء القدرات الوطنية والموارد من اجل إدارة واستخدام وتطوير التقنية المنقولة والتملك الجزئي او الكلي للملكية الفكرية. وليست مدينة (نيوم) الا مشروعاً واعداً يجسد كل ما ذكرناه من طموحات، وهو حلقة محورية تهيئ للعبور من مرحلة البحث والتطوير الى مرحلة تجاوز النظرية في اتجاه التطبيق.
وإن التحول الوطني قد جعل من المملكة وعاء جامعا لعالم حقيقي عبرت عنه العقود الضخمة التي وقعت بالمليارات لجلب الشركات العالمية العملاقة في مجال تقنية المعلومات. ولا ريب بأن الجميع يدين بالثناء والعرفان لصاحب السمو الملكي الامير (محمد بن سلمان) ولي العهد الامين رئيس المجلس الاعلى للشؤون الاقتصادية. والتنمية نظير اهتمامه بتوطين الاقتصاد المعرفي وحرصه على إيجاد الوظائف التي تكفل توفر كوادر وطنية مدربة تقنيا تحت عنوان التنمية والإبداع لدى جيل الشباب من ابناء الوطن. ولا يفوتنا في هذا المقام ان نذكر ونثمن بكل التقدير والعرفان ما انفقته المملكة على البعثات التعلمية الخارجية وفق معدلات هائلة بلغت (400) مليار دولار منذ عام (2010م)، وهذا ما يشهد الجميع انعكاسه على ثقافة المجتمع. وان الامل في قرب صدور تنظيم جديد لنظام للجامعات يجعل المخلصين من أصحاب الطموح يتطلعون بشغف إلى استحداث وزارة للبحث العلمي تكون مستقلة عن وزارة التعليم استقلالا يمكنها من دعم خطط الأولى من جهة، وايلاء البحث العلمي الأهمية التي تليق برؤية 2030م من جهة اخرى. اذ ستفرز الرؤية منهجية جديدة تتوافق والمرحلة التي تعيشها نهضتنا والذي شهد انشاء المنظومات والهيئات الثقافية والاعلامية، والترفيهية والرياضية، وهذا ما يؤكد توفر الاذرعة الجبارة التي سوف تنعكس علي رفع المستوي الثقافي وإسعاد ورفاهية المواطن في السنوات القادمة (بإذن الله) فيعهد الخير والبناء والنماء عهدخادم الحرمين الشريفين الملك (سلمان بن عبد العزيز) الشريفين مجدد وباني الكيان العظيم، وبأزر ومتابعة من ولي عهده الامين صاحب السمو الملكي الامير (محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظهما الله.
ان تحقيق الأهداف المخلصة للرؤية وإلى ضرورة السعي في المساعدة التقنية التي تقدمها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) للدول ال أع ضاء. ولعل استحداث مكتب إقليمي في العاصمة الرياض يشكل خطوة مفيدة فعالة تنعكس على المملكة وتمتد لتغطي دول المنطقة العربية، ودول مجلس التعاون، لتوفر الخبرات والدعم الفني.
ويسوقنا هذا الى التفكير في حاجة المملكة لفتح فرع أكاديمي للملكية الفكرية بشتى تطبيقاتها مع وضع استراتيجية لتطوير السياسات والأنظمة، وتدريب وتخريج المختصين بالملكية الفكرية. إذ إن مراكز التدريب في دول الخليج قد لا تفي بالحاجة التي يمكن ان تغطي متطلبات سوق العمل والتحديات المتغيرة للملكية الفكرية، خاصة وأن المملكة قد تجاوزت مرحلة الدعم القانوني وأنشأت الكيان الواقعي للملكية الفكرية ورسخت بنيتها التحية في التشريع والتنظيم.
ويستند الدعم من خلال اكاديمية (الويبو) في المقام الأول إلى المساعدة في تشييد المؤسسات التي تدعم استحداث اقسام الملكية الفكرية وإداراتها في الجامعات ومراكز الدراسات والبحث العلمي والشركات الصغيرة والمتوسطة. وهذا يحقق بدوره تقديم وتحسين الجودة وكفاءة الخدمات إلى أصحاب الحقوق، بما في ذلك نقل المعرفة للموظفين، وتحقيق المشورة القانونية والخبرة والتدريب، والمنح الدراسية لنيل الشهادات العالية في قانون الملكية، ناهيك عن ورش العمل والحلقات الدراسية والمؤتمرات، وإتاحة النفاذ الى قواعد البيانات التقنية والعلمية لتعزيز المعرفة المتعلقة بالملكية الفكرية.
وهذا ما يحقق حتما الطمأنينة للمستثمرين والشركات التجارية والخدمية في مجال الاقتصاد المعرفي لتتوطن محققة بذلك توفير حياة أفضل للأجيال وكل من يعيش على ثرى هذه الأرض التي تولي الأبناء والمبدعين كل الحب والرعاية، واستمرارية سمعة المملكة الدولية وأثرها على عدالة المنافسة التجارية وخلق الطمأنينة للمستثمرين والشركات التجارية.
- مستشار إعلامي مختص في الملكية الفكرية
M_alslamah@yahoo.com