حينما أخبرني أحد الزملاء عن تعرض أخي وصديقي نايف بن عمهوج لمرض عضال وهو يرقد في أحد مستشفيات الرياض، ذهبت للاطمئنان عليه وزيارته، وحينما حضرت إليه كان رحمه الله في أوج سعادته مؤمناً بقضاء الله وقدرته، وكانت ابتسامته وخفة ظله ملازمة له حتى في أحلك الحالات، وكان لفيف من الأصدقاء والأقارب من حوله بمشاعر جياشة، وترى الحب والدعاء لهذا الرجل يخرج من قلوبهم قبل أفواههم، وكأني أرى أخي نايف (هو هو) لم يتغير، فلم تغير السنين خفة دمه ومزاحه حتى وهو على السرير الأبيض.
حينما رأيته تذكرت نايف الشاب الذى كان يبعث الحيوية والطاقة الإيجابية لكل من حوله عندما كنا طلبة في كلية الملك فهد الأمنية، تذكرت نايف الذى يجمع الناس على حبه وتقديره، تذكرت نايف الشاعر الذى كنا نحاول أن لا نستثيره حتى نسلم من أن يهجونا في شعره مازحاً.
وبعد أن خرجت من الاطمئنان عليه، إذا بأحد الأصدقاء يكتب لنا نقلا عنه قصيدة، وكان أحد أبياتها هذا البيت:
حداني عن الجبهة ومصامخ العدوان
مرض والمرض ما فيه حيل ولاقوة
فجلست متأملاً لهذا البيت الذي استوقفني كثيراً . فرجل على السرير الأبيض ويخبره الأطباء عن تعرضه لمرض عضال، فلم يكن أول اهتمامه إلا وطنه، لله درك أيها البطل. إن تفكيره بوطنه وشعوره الصادق النابع عن ارتباطه الوجداني العميق هو أول تفكير تبادر إلى ذهنه لأن الشعور الحقيقى هو ما يسيطر على سلوك الإنسان استجابة لشعور عميق مبني على إحساس صادق وعبر عنه بقصيدته التي تلامس شعور كل أبناء هذا الوطن المعطاء.
لنكن عقلانيين ومنطقيين فإن الإنسان بطبيعته عند تعرضه للموقف مباشرة تبين اهتمامه وأولوياته فلم يكن التفكير بعائلته الصغيرة أو منزله أو ماله أو ...إلخ.. فكان تفكيره منصباً على وطنه وأبناء وطنه.
تفكير الأبطال والهامات هو التفكير العميق الذى يتجاوز تفكير الكثير من السطحيين، فقد كانت جميع عوائل المملكة هي عائلته، وكل شبر من الوطن هو منزله فلم يفكر إلا أنه كيف يذود عن وطنه وكيف يحمي أبناء وطنه.
أخي الفقيد، بإذن الله لقد تمنيت الشهادة في أرض المعركة وإذا بالشهادة تأتي إليك.. كما قال الرسول (ص) عن الشهداء وذكر منهم المبطون.
إن فراقك صعب وترك أثراً عميقاً عند محبيك، ولكن ما يخفف علينا الفراق هو أن سنة الحياة ماضية، وأنك إن شاء الله لمن الشهداء..
أخي وصديقى، بإذن الله، إنني لا أتقدم بالعزاء إلى عائلتك ولا إلى محيطك القريب فقط إنني أعزي فيك نفسي وجميع زملاء دورتك، وأعزي فيك كل بيت في الوطن لأنك فقيدنا جميعا مثلما أنك فقيد عائلتك.