كلمة ثناءٍ وتقدير تستحقها جريدة الجزيرة الغراء، فهي تضع يدها دائمًا على نبض الأحداث، وتهتم بقضايا الوطن والمواطن، وتوفِّر لأقلام المواطنين مساحةً للتعبير عن الرأي تجاه تلك القضايا، وهذه الحقيقة التي لا مراء فيها رغبتُ في تسجيلها منذ البداية، وأنا أعلق هنا على المقال - الذي نشرته جريدة الجزيرة في عددها رقم 16483 الصادر يوم الثلاثاء 25 صفر 1439 الموافق 14-11-2017 بعنوان: « سفراؤنا في الخارج وضرورة التغيير» للكاتب الأستاذ محمد آل الشيخ، فقد أثار المقال كوامن شجون متعددة حول اختيار سفراء المملكة، ليكونوا ممثلين لها في الخارج لدى الدول التي يربطنا بهم تمثيل دبلوماسي من الدول الشقيقة والصديقة، وأقول إن الوقت الراهن الذي يعيشه وطننا العزيز بمعطياته وتحدّياته يتطلب وقفةً مراجعةٍ تقويمية، تتناول واقع سفرائنا في الخارج، وتعيد النظر في معايير اختيارهم.
إننا في المملكة نعيش - وبكل فخر - واقعًا يبشّر بمرحلةٍ جديدة في حياة هذا الصرح الشامخ الذي أسسه صقر الجزيرة- يرحمه الله-، ويشهد العالم من حولنا أن تلك المرحلة قد أخذت تشقُّ طريقها وسط تحديات جِسام سواء في الداخل أو في الخارج، غير أن حكمة وحزم القائد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- يحفظه الله-، وطموح وحسم سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز- يحفظه الله-، وثقة هذا الشعب الوفي، والتفافَهم حول القيادة يؤكّد لنا أننا بعون الله قادرون على مواجهة التحديات مهما اشتدت أو تعددت، ولما كانت مرحلة البناء والتحديث تحميها قرارات الإصلاح وأيادي الحسم والعزم، فإنها جديرة بمن يوضّحون للعالم في الخارج حقائقَ هذه المرحلة وأبعادها، والتحديات التي تواجهها المملكة، والمؤامرات التي تُحاك لها، وجديرةٌ بمن يبيّن أيضًا ويشرح مواقف المملكة الراسخة من القضايا الدولية والإقليمية، حتى لا تظل الحقائق عُرضةً للتزييف من قبل الجهات المعادية والمشبوهة.
إن تلك المهام والمسؤوليات لا يشك أي مواطن يتشرف بالانتماء للوطن أنها تقع بالدرجة الأولى على عاتق سفراء المملكة في الخارج، الذين يجب أن يقفوا سدًّا منيعًا في مواجهة مايحاول بعضهم تزييفه والترويج له، ولعل هذا يقودنا للقول بضرورة إعادة النظر اللازمة في هذه الفترة، التي تمرُّ بها المملكة، لتقييم أدوار السفراء والوقوف على أدائهم، وخاصة إزاء شرْح وتوضيح مواقف المملكة من القضايا المعاصرة التي تزدحم به ساحة السياسة الدولية.
وليس القول بتقييم أداء السفراء هو انتقاصٌ لدورهم بل إنه يعني محاولة لتعزيز هذا الأداء والرفع من مستواه، ليكون متناسبًا مع مكانة المملكة المعروفة في الساحة الدولية، وملبيًّا لشرف الثقة الغالية التي كلَّفتهم بتمثيل المملكة، ومتوافقًا مع طموحات الوطن الذي يتطلع أبناؤه إلى أن يكون كافة المسؤولين فيه على قدر ما تولوه من مسؤولية، ومؤهلين وقادرين على تحقيق طموحات رؤية المملكة 2030 التي نعتز بها، ونثق أن تنفيذها سيحقق لبلادنا نقلة نوعية في مختلف مجالات الحياة، كما جاء في تلك الرؤية التي أوضحت أن رؤيتنا لبلادنا التي نريدها « دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر» وأن هناك مرتكزات ثلاثة لرؤيتنا:» العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي».
فهل جميع سفراء المملكة في الخارج على قدر هذا الطموح؟ وهل تحركاتهم في الفترة الماضية كان على قدر تلك الرؤية وتلك المرتكزات وما حددته رؤية المملكة من أهداف؟ وهل سفراء المملكة إلى الدول ذات الوزن الدولي والتأثير العالمي قد تمكنوا من معايشة الأحداث التي مر َّويمرُّ بها الوطن واستطاعوا أن يكون لهم دورهم المؤثر على مواقف تلك الدول؟ أم تركوا الأمر ليقع على عاتق وزارة الخارجية؟
إن صدق الإجابة عن تلك التساؤلات وغيرها ستقودنا بالتالي إلى إعادة النظر في معايير اختيار السفراء، حتى يكون السفير الذي يتم اختياره - كما هو مفترض - هو الممثل الدبلوماسي الجدير بأن تباشر المملكة عن طريقه علاقاتها الدولية مع غيرها من الدول بوعيٍ وجدارة، ولذلك - وبحكم عملي وخبراتي السابقة في شرف تمثيل المملكة في منظمات ومؤتمرات وفعاليات عديدة بالخارج - لا أتجاوزكثيرًا عندما أقول إنه في الوقت الذي يوجد فيه سفراء يحرصون على تمثيل وطنهم والقيام بواجباتهم بحرصٍ يليق بشرف التكليف، إلا أنه في المقابل فإن البعض في حاجة ليدركوا أن اختيارهم للسفارة لم يكن يعني منحهم فرصةً للراحة والسكينة والاستمتاع بالوقت،والاكتفاء بإقامة الاحتفالات في المناسبات.
فمكانة المملكة مرموقة في جميع الأصعدة، وقضاياها عادلة ومواقفها واضحة راسخة، والتحديات التي تحيط بنا بل وأمامنا كثيرة، والكفاءات في المملكة - ولله الحمد - متوفرة وفي مختلف المجالات، ويسبق كل ذلك طموحات القيادة في تطوير الوطن وتحديثه، تلك القيادة الواعية التي تؤكد أن الوطن الذي « ننشده لا يكتمل إلا بتكامل أدوارنا، فلدينا جميعًا أدوار يجب أن نؤديها « وأن تحقيق المنجزات والمكتسبات لن تأتي إلا بتحمّل كل منَّا لمسؤولياته» فهل آن الأوان لإعادة النظر في معايير اختيار السفراء لتكون على قدر طموح الوطن؟
حفظ الله بلادنا ووفق قيادتنا لكل الخير والفلاح.
** **
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام، سابقًا