العدل مطلب أساسي، في استتباب الأمور واستقرار الأحوال، وفي سعادة الناس وراحتهم، ولهذا نجد الدول منذ عصر الإسلام وحتى الآن تعمل جاهدة على بذل جهودها في نشر العدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، لأن العدل عليه يعتمد بقاء الدولة وإزدهارها، وبدون العدل لا تقوم لها قائمة بل يدب فيها الضعف وتكثر بها عناصر الشر من ذوي النفوس الشريرة التي جبلت على فعل الإجرام، فتكثر السرقات، وتكثر المعاناة بين أفراد الأمة ويقوى القوي، ويتطاول على الضعيف وتذهب هيبة الدولة، وينخر في جسمها السوس، هذه الدودة الضعيفة تفسد الثمر، ويصبح غير صالح للاستهلاك رغم طيبة وحلاوة مذاقه.
ومن أجل إقامة العدل بين الناس تم تشكيل المحاكم ووزارات العدل والقضاء أو بمعنى أدق سلطة القضاء إحدى السلطات الثلاث المتواجدة في كل كيان لأهمية وحيوية ذلك بالنسبة للبشر. والإسلام ديننا الحنيف منذ أمرنا بالعدل بين الناس وأمرنا بإنصاف الضعيف، ونصرته، وأخذ الحق له من القوي وقد حددت الشريعة الإسلامية الحدود وأمرتنا بالمساواة بين الناس، في الحقيق والواجبات وفي تطبيق التعاليم الإسلامية.
قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}. وقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع القبطي الذي ضربه أحد أبناء عمرو بن العاص عندما فاز حصانه في سباق أجري في مصر معروفة، حينما استدعى عمر بن الخطاب عمرو بن العاص وطلب منه إحضار ابنه معه وأمر المصري بأن يضرب ولد عمرو لأخذ حقه منه جراء اعتدائه عليه. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها).
هذه نماذج حية من عدل الإسلام وحرص ولاة المسلمين على نشر العدل بين رعاياتهم، وبالعدل تستقر النفوس، ويستتب الأمن ويعيش الناس في أمن وراحة بال، لا يخافون من أحد لأنهم يعلمون أنه لا يستطيع أحد ظلمهم أو الاعتداء عليهم فينامون قريري العين.
وقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه معروفة حينما جاء مندوب كسرى له ووجده نائماً تحت ظل شجرة بدون حراس أو حواجز استغرب ذلك وقال قولته المشهورة.. عدلت فأمنت فنمت يا عمر.
وفي هذا السياق يقال: (غصب أحد الولاة ضيعة لرجل فشكا أمره إلى الخليفة العباسي المنصور وقال له: أصلحك الله يا أمير المؤمنين أأذكر حاجتي أم أضرب لك قبلها مثلاً؟ قال: إضرب لي قبلها مثلاً.. قال: إن الطفل إذا أصابه ما يكره يشكو إلى أمه.. ظناً منه أنه لا ناصر له غيرها.. فإذا ترعرع شكا إلى أبيه.. لاعتقاده أن أباه أقوى من أمه على نصرته.. فإذا صار رجلاً ووقع به أمر.. شكا إلى الوالي لعلمه أنه أقوى من أبيه.. فإن إزداد عقله شكا إلى السلطان لعلمه أنه أقوى من جميع الناس.. فإن لم ينصفه شكا إلى الله تعالى.
وقد نزلت بي نازلة، وليس فوقك أحد من الخلق أقوى منك فإن أنصفتني فيها وإلا رفعت أمري إلى الله، إذ ليس أقوى منك إلا هو.. قال: بل ننصفك وكتب إلى واليه بأن يرد إليه ضيعته ويهيئ له أسباب راحته، ويؤمن له شئون معيشته.
قال الشاعر:
لا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
والآدمي حين يسأل يغضب
اللهم ارزقنا العدل ووفقنا لرضاك وطاعتك.. واختم بالصالحات أعمالنا، وهب لنا من أمرنا رشداً.
** **
- وكيل إمارة منطقة القصيم سابقاً