رجاء العتيبي
يمكن دعم قطاع الثقافة بتجهيز (البنية التحتية) بالكامل: مسارح, معارض فنون, مراكز ثقافية, معاهد, أكاديميات, تدريب, ورش إنتاج, وهذه مهمة (الدولة), وذلك بتخصيص مبلغ كاف لإنشاء هذه البنى ليكون قطاع الثقافة قطاعاً منافساً خليجياً وعربياً, في حين يستثمر القطاع الخاص في هذه المنشآت الثقافية بنسبة 80 % والـ20 % المتبقية تذهب للدولة. وتأخذ المنشآت الحكومية مثل: وزارة الثقافة والإعلام, جمعية الثقافة والفنون, الأندية الأدبية, تأخذ دور (تنظيمي, تشريعي, قانوني), باعتبارها - حالياً - غير قادرة على تقديم أنشطة ثقافية تفي بطموح المهتمين بهذا المجال, والبرامج إن لم تكن منافسة فلا جدوى منها.
حالياً, لا مجال لأن (نلوم) المؤسسات الثقافية نظراً لضعف الميزانية, وتواضع القدرات, وتهالك المباني, وكثير منها لا تملك قاعات, ومسارح, وورش عمل, وإستديوهات, وطالما الأمر كذلك فلا فائدة من الاستمرار بهذا النفس الضعيف, ما لم يتم الدعم على مستوى كبير وبقرار حكومي يستهدف قطاع الثقافة بشكل دقيق وواضح.
المؤسسات الثقافية غير قادرة على العمل بفكرة (تعدد مصادر الدخل) فإذا كانت غير قادرة على النهوض بنفسها فكيف يمكن أن تجلب الأموال لخزينتها من طرق شتى, وإذا ما أخذنا في الاعتبار ارتباك تواصلها الجماهيري, فكيف يمكن للمستثمرين أن يدخلوا هذا المجال, فالموقع بدون (قوة شرائية) لا يحفز رجال الأعمال على دخوله.
تعمل المؤسسات الثقافة - في الوضع الراهن - على (الاكتساب) من الفعاليات (رعايات, نسبة من الدخل) بالتعاون مع القطاع الخاص, ولا أظن ذلك مجدياً, للاعتبارات الآتية:
- المبالغ المحصلة قليلة جداً لا تنهض بالمؤسسة الثقافية.
- حرصها على تنظيم فعاليات (تجارية) يجعلها في وضع منافس للقطاع الخاص تنتهي في النهاية لصالح القطاع الخاص.
- المؤسسات الثقافية تفتقر لرأس المال الكبير, ولا تملك منتجات تسوقها.
- الاعتماد على الرعايات أمر غير مجدٍ (دخل قليل, صعوبة إيجاد راعٍ, خضوع المؤسسة الثقافية لشروط الراعي, توقف الفعاليات إن لم يكن هناك راعٍ ...) .
- المؤسسات الثقافية تفتقر للخبرة (التجارية) لا إدارات تسويق ذات كفاءة عالية, ولا خبراء ماليين, ولا فكر استثمارياً.
لا نلوم القائمين على المؤسسات الثقافية, لأن الميزانية الحالية, تعطينا (منتجا) محدداً, فمهما تغيّر المسؤول أو مجلس الإدارة يظل (المنتج) كما هو, ليس ضعفاً في رجال الثقافة, وإنما تبعاً للميزانية التي لا تمكنهم من الأعمال الكبرى, فالجميع يعمل في حدودها, فالمنتج بوصفه مخرجاً, يعتمد على المدخلات.
قطاع الثقافة يحتاج إلى تدخل (الدولة) بصورة عاجلة, عن طريق (صندوق الاستثمارات العامة) بحيث يؤسس للبنى التحتية, ويترك التشغيل والصيانة للقطاع الخاص, والإشراف والتنظيم للمؤسسات الثقافية الحكومية, ويحصل الصندوق على نسبة محددة على مدار 25 سنة.
باختصار لا نتوقّع من المستثمر أن يتولى مهام بناء المنشآت الثقافية, ولا نتوقّع منه أن يستثمر في مكان ليس ذا جدوى اقتصادية, في حين الفعاليات التجارية التي تنظّمها المؤسسات الثقافية لزيادة الدخل غير مجدية, الحل في نظري لدى (صندوق الاستثمارات العامة).
من جانب آخر تعمل الهيئة العامة للثقافة - الآن - على أنظمة جديدة, ربما ذات بعد استثماري, حتى الآن لم يتضح شيء من ذلك, ولكن الجميع متفائل أن تقوم بتغيير الحراك الثقافي إلى آفاق أكثر فعالية وأهمية ومنافسة, ولا أظنها تقدّم منتجاً فريداً ما لم تتعاون مع (صندوق الاستثمارات العامة), هنا مربط الفرس.