ناصر الصِرامي
الأوامر الملكية التي صدرت الجمعة الماضية، والتي شملت شرائح مختلفة من المجتمع، لتخفيف الإجراءات الاقتصادية التي بدأ تطبيقها مع إطلالة 2018، - بلغت تكلفتها التقديرية نحو الـ50 مليار ريال، كإعانة بدل غلاء المعيشة لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين، وزيادة مكافأة 500 ألف طالب جامعي، بنسبة 10%، إضافة إلى المتقاعدين المستفيدين من بدل غلاء المعيشة، وكذلك المستفيدون من الضمان الاجتماعي الذين سيتحصلون على إعانة شهرية بدل غلاء تقدر بـ500 ريال، إضافة إلى تحمل جوانب محددة من القيمة المضافة التي بدأ تنفيذها مطلع الشهر الجاري.
الأوامر الملكية شرحت هدفها بالتالي: (وبناء على ما عرضه علينا صاحب السمو الملكي ولي العهد بشأن ما سيترتب على الإجراءات الضرورية التي اتخذتها الدولة لإعادة هيكلة الاقتصاد من زيادة في أعباء المعيشة على بعض شرائح المواطنين، ورغبة منا في التخفيف على أبنائنا وبناتنا...).
نلحظ أيضا أن هذه الأوامر في الغالب محددة بعام واحد (12 شهرا)!، وهو ما يعني صراحة أنها ليست تراجعا في الخطط الاقتصادية السعودية للاستغناء عن النفط كمصدر أساس للدخل القومي للبلاد، وإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتصحيح تشوهاته من أجل استقراره في المستقبل، بل هي في اعتقادي فرصة زمنية تمتد لنحو 12 شهرًا أمام الناس والمواطنين، لإعادة هيكلة مصروفاتهم وشحن مدخراتهم، والبدء في البحث عن فرص عمل أو تجارة تمكنهم من التأقلم مع الواقع الجديد للحياة اليوم والاستعداد لتحدياتها بعد عام من الآن ربما.
إنها مهلة وفرصة مهمة تستحق في الوقت ذاته ضخ برامج توعوية من أجل نشر ثقافة الصرف والادخار واستحداث قنوات وفرص لدخل إضافي، والتخطيط الاقتصادي على مستوى الفرد والأسرة.
فالتغيرات المتسارعة والتحديات الاقتصادية المستقبلية لن تتوقف، وضريبة القيمة المُضافة أصبحت واقعا وأسعار الوقود صارت رسمية، وفاتورة الحياة مرشحة للصعود عام بعد آخر.
هذا هو الواقع الاقتصادي الجديد، وهذا ما تعنيه خطة وبرنامج الاستغناء عن الاعتماد المطلق على النفط في المملكة السعودية لبناء اقتصاد مستمر غير خاضع لتقلبات ومنافسة سلعة عالمية واحدة – النفط، أو بدائلها المتوقعة. وأصحح أن ما بعد عام 2018م لن يشبه ما قبله مع استمرار خطط التحولات الكبرى وتصحيح المعادلة الاقتصادية لمستقبل البلاد وأجياله.
علينا الاستعداد بعد عام من الآن مع هذا الدعم المحدد بـ12 شهرًا.. ومجددًا فإن السبيل الوحيد لتخفيف هذه الزيادات والمصروفات هو في تغير المثير من العادات الاجتماعية والاقتصادية، وضغط الإنفاق وتقنينه على المستوى الشخصي لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، أو العمل في أكثر من وظيفة دائمة وطارئة واستغلال أبسط الفرص التجارية وأقلها جاذبية اجتماعية وأكثرها عطاءا.. وما أكثرها الآن في ظل «تنظيف» السوق من الكثير من تشوهاته وتستره...!