كوثر الأربش
بين الوطن في القلب، والوطن على الأرض، نقطة عميقة، أعمق من أي شيء يمكن تفسيره. تلك النقطة تشبه ذكرى طفولية مؤلمة، توجعك كلما لاح لك في الخاطر ما يثيرها.. تضربك حتى تكسرك! كتبت الجزائرية ياسمينة صالح: «حين نستيقظ صباحاً ولا نجد وطناً نتكئ عليه نكتشف حدة اليتم والفراغ المهول الذي نجره يومياً في عمرنا الجاهز للانكسار واليتم»
يمكنك أن تهرب لأي بقعة بالأرض، تهبك جنسية، وامتيازات، قد تجتهد لتصبح أمريكيا، أوروبيا، أو روسيا. لكنك تبقى ابن وطنك. وأنت خارج ديارك شيء ما بداخلك سيرتجف، حينما تشم بهارات جدتك، أو تسمع لهجة ديارك، أو تلوح لك ملامح تشبه تلك التي تعلو وجوه الناس في مكانك الأول. نقطة عميقة لا يمكن تفسيرها بكل نظريات الكون، إنه الحب. الحب الذي لا يمكن أن يخلقه المنظرون والسياسيون والنقاد وهم يضعون إستراتيجيات وأنظمة وآليات إصلاح. لأنه يمكن أن تصنع وطنًا عادلاً، لكنك لا يمكنك أن تخلق الحب له. المواطنون هؤلاء يشبهون اللاعب المحترف، الذي يمكنه بتغيير لون القميص، وعقد مادي جيد أن يفقد إحدى قدميه أو يتعرض لإصابة مزمنة في سبيل إحراز هدف.
هل تعرف ساق البامبو؟ رواية كتبها الكويتي سعود السنعوسي وحاز عليها البوكر. فكرتها أن نبتة البامبو جوفاء و ليس لها جذور، ضعها في الماء وستنمو. أي ماء بمواصفات مناسبة.
هناك من يشبه البامبو، أجوف ولا يتجذر. نحن السعوديون لا نشبه البامبو. وهذا ما أريد أن أقوله. وما سبق كله مجرد توطئة. وكل من يحاول تغيير هذه الخاصية فينا سيكسرنا حتمًا. غرد أ جمال خاشقجي في حسابه الرسمي، ويبدو أنه حذفها، ردًا على انتقادات الناس له حين كان يؤلب ضد الملك: الوطنية لا تعني الحكومة. والوطن لا يعني الملك. لكن الخبر الذي لن يسعد السيد خاشقجي، أن السعوديين يحبون الملك وولي عهده كما يحبون الوطن. هل يبدو ما أقوله تطبيلاً؟ فليكن. لا يهمني الحكم الآن بقدر ما يهمني أن تصل الفكرة. فلنتخيل بلادنا أصبحت كما يحلم به هؤلاء، صدقني سينتخب الشعب الملك ذاته مجددًا. ليس لأنهم مصابون بعقدة ستوكهولم، ليس لأنهم أقل وعيًا حقوقيًا وسياسيًا. ببساطة لأنهم يحبون. لأن السعودي لا يجد فرقًا بين الوطن والملك. السؤال الذي تمنيت طرحه لكل من يحاولون أن يجعلونا معارضين مثلهم: هل فكرت مرة بماذا يريد الشعب؟ ماذا يحب؟ مالذي يشعره بالأمان؟ الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها: أن الشعب بقدر رغبته بالإصلاحات في الوطن بقدر ما يكن مشاعر حب حقيقية للملك ولسمو ولي عهده.
هؤلاء الكتاب والحقوقيون يضعون معايير معوجة للحرية والمدنية، تجعل بث الكراهية للملك إحدى أهم دلالات التحضر والوعي السياسي، حتى إن أحد متابعي السيد خاشقجي، غرد معقبًا عليه، وقام هو بإعادة تغريدها: «ياحظك يا جمال تغرد ضد رئيس دولة أنت فيها وتبتسم ويمكن جدا أن يوجه لك دعوة لاحتساء القهوة معه في رتز واشنطن وتتبادلان السيلفي، أنك تتنفس الحرية بأبهى صورها». إذا هذه هي منتهى الحرية؟ الحرية هي الانتقاد والضدية والمعارضة؟ حسنًا، فلنتجاوز هذا، لكن هل هذا يعني أن التأييد والتوافق نقيض الحرية؟. جِد الإجابة وستجد مشكلة هؤلاء المعارضين. الخلاصة: حريتي في المعارضة، ولكن إن كنت مؤيدًا فأنت مستعبد و جبان! هل تعرف ماهي المشكلة؟ المشكلة ببساطة، ببساطة متناهية، وبعيدًا عن كل التعقيدات: أنه مثلما تعارض هناك من يؤيد ومثلما تهب ذاتك الحق كاملا في المعارضة والكراهية والتشاؤم، هب للآخرين حقهم في التأييد والحب والتوافق والتفاؤل. إن كنت تعتقد أن الحرية في المعارضة فأنت مخطيء، الحرية هي أن تختار ما ترغب به بعمق، وبصدق. ونحن أيها السادة نحب وطننا، نحب مليكنا. هل تعتقد أننا متخلفون ومطبلون.؟ نحن المتخلفون من بقينا في الديار، لم نهجر أوطاننا، منا الجنود في الحد الجنوبي، منا الموظف البسيط، والوزير..منا بائع الأطعمة في سيارة «الفود تراك»، أو رئيس شركة أو بنك.. كلنا لا نريد ما تريدون.. أنا أتحدث بلسانهم الآن: نحب وطننا، نحب الملك.. وهذا أبسط حقوقنا. أن تتركونا نحب من نريد.