«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
يعيش نظام الملالي هذه الأيام أسوأ أيامه منذ استيلائه على الحكم في إيران قبل أربعة عقود تقريبًا. البلد الذي كان غنيًّا، ويفاخر بأنه كان يومًا ما أحد المصدرين للنفط للعديد من الدول قبل اكتشاف النفط في دول الخليج، وكانت إيران في عهد «الشاهنشاهية» هي الوجهة المفضلة لأبناء الخليج العربي لقضاء إجازاتهم السنوية وحتى شهور العسل، وكانت إيران - والحق يقال - أيام الشاه الجارة الطيبة التي كان المواطن فيها يفتح أبواب بيته لاستقبال المصطافين القادمين من دول الجوار، وبإيجارات لا تتعدى «التومانات» المعدودة، وعلى الأخص من المملكة والبحرين والكويت والإمارات وقطر وعمان. وكانت حدائق «بارك فرح» في شيراز ملتقى الأسر الخليجية التي كانت تجتمع مع بعضها لتناول الأطعمة والمشروبات، وخصوصًا القهوة العربية والشاي. كانت رائحة المأكولات الخليجية تنافس رائحة الورد الجوري والزهور الإيرانية المتميزة. وكنت شخصيًّا أيام المراهقة وزمن التعارف شاهدًا على روعة وجمال وكرم الشعب الإيراني؛ فكنت أتردد مع أصدقاء هواة المراسلة والتعارف بين عام وآخر على إيران حسناء الخليج كما قال عنها مرة رئيس تحرير مجلة «الحوادث» اللبنانية سليم اللوزي؛ فكانت إيران مزارًا بطبيعتها الخلابة، ولقربها من مدننا، ولسهولة الوصول إليها عبر البحر عن طريق الكويت عبدان، ومن ثم لمختلف المناطق والمدن الإيرانية. كذلك كانت تكلفة السفر إليها بالنسبة للفتيان عشاق السفر ومشاهدة الأفلام السينمائية بسيطة ومشجعة، والأهم أسعار الأطعمة والإقامة والتمشية. أذكر أنني سكنت مع ثلاثة أصدقاء تعارف في بيت أسرة بشيراز بـ12 تومانًا، وكانت الأسرة وفتياتها يقمن بخدمتنا بصورة لافتة، وبتواضع جم، بل إن الأسرة - الله يذكرها بالخير - كانت تعد لنا الطعام الشهي، وتجهز ملابسنا، بل كانت تشعرنا بعظيم امتنانها لسكننا في بيتها، وتعاملنا معاملة خاصة؛ كوننا من الأراضي المقدسة. ولولا الحياء لقبلت سيدة البيت رؤوسنا صباح مساء. وما زالت مشاهد ذلك البيت في ذاكرتي حتى اليوم بفسقيته في وسطه وأروقته، وشجرة المشمش، والورود المحيطة بها. ولا أبالغ إذا ذكرت أننا لم نشعر طوال أيام إقامتنا في إيران بأننا غرباء أو أننا ننتمي للمذهب السني. كانت إيران أيامها إيران واحدة، وشعوبًا متماسكة.. كانت حياتهم هنية مشعة بالإخاء والمحبة والمشاركة المجتمعية، وبها احترام كبير لأبناء الخليج بصورة عامة، والملكة بصورة خاصة. جسَّد ذلك خروج ملايين الشعوب الإيرانية لترحب بزيارة الملك فيصل لإيران في عهد الشاه، وكان الناس يتدافعون ويتزاحمون للفوز بمشاهدة موكب الملك الشهيد فيصل والشاه محمد رضا بهلوي وهو يعبر بين الحشود. وكان تجار الخليج يشاهَدون بكثرة في أسواق البازارات المختلفة في طهران وأصفهان وشيراز وهم يعقدون الصفقات والاتفاقات مع التجار الإيرانيين. كانت التجارة بين دول الخليج وإيران في عهد الشاه لها نصيب الأسد، وكان التعامل التجاري بالمليارات. أما في عهد الملالي فالتعاملات التجارية تكاد تكون محدودة، ومن خلال عدد محدود أيضًا من دول الخليج نتيجة لسياسة نظام الملالي العدوانية. لقد خسر الاقتصاد الإيراني «البقرة الخليجية الحلوب» التي كانت تدر على اقتصاده المليارات سنويًّا بسبب نظامه وأطماعه في تصدير ثورته وطائفيته ونشر مذهبه في الدول المجاورة ودول أخرى..؟! فلا عجب بعد هذا في تراجع الاقتصاد الإيراني في عهد الملالي لتوظيفه جزءًا كبيرًا منه لدعم الإرهاب والنظام السوري وحزب الله وحوثيي اليمن؛ إذ تردت الأوضاع في مختلف الأقاليم الإيرانية، وجاع الناس؛ وبالتالي كانت ردة فعل الشعوب الإيرانية طبيعية وحتمية بعدما انكشف المستور، وانتفضت راغبة في الخلاص من نظام الملالي المستبد ساعية إلى التغيير، وأن تعود إيران كعهدها السابق «الشاهنشاهي» الذي كان المواطن الإيراني فيه ينعم بخير وطنه، ولا تنعم به أنظمة طاغية وأحزاب إرهابية وحوثية..
واليوم العالم يشاهد ويتابع انتفاضة شعب يريد الخلاص بعدما شعر بأن وطنه على مشارف الإفلاس.. فها هو يتسول الدعم من بعض الدول؛ ليغطي عجزه المالي. وإيران البلد الذي كان غنيًّا بات اليوم يعيش أجواء كئيبة، وهو فعلاً في مرحلة انتقالية تصحيحية لا مفر منها. إيران اليوم لا خامئني قائدها، ولا روحاني رئيسها، الرئيس الفعلي اليوم هو الشعب الإيراني المغلوب على أمره.. الذي - بفضل الله - انتفض، وراح يصرخ: «الموت.. الموت.. لخامئني وروحاني..»؟!