د. خيرية السقاف
يتسامى المرء بنفسه فتكون ذاته محور هذا التسامي..
من الناس من لا يرضى أن تختل به قوادم جواده, وهو في سبيل تساميه..
إن المتسامي من ليس له حاجة عند أحد من الناس فيكون في حاجة الناس ساعيا,
ومن لا غاية له فيما يملك الناس, فيهبهم مما يملك بلا منة,
ومن لا يصله الناس فيصلهم بلا لوم,
ومن لا يبره منهم فيبرهم بلا مقابل,
من إذا تبسم للناس فأشاحوا عنه, عاد فتبسم مقبلا عليهم بلا عتاب,
من في أحزانهم الضماد والدواء, وفي أمراضهم المتوجع المطبب,
من في أفراحهم المبادر, السعيد, ومن في ضعفهم السند المقيل, وعند سقوطهم العضد, والدليل, من إذا نجحوا فرح, وإذا اعتلوا هلل,
من إذا نجوا حمد, ومن إذا هلكوا حزن..
هو الصفوح عن إساءاتهم, الحليم مع إسرافهم, المتغافل عن زلاتهم,
هو اليقظ لجميلهم, المفسِح لهم الطريق, المجافي من أجلهم الغضب,
وهو المتفاني ليسعدوا, والمعطاء ليكتفوا..
وإن المرء ليتسامى المرء فتتسامى ذاته, فالمتسامون وحدهم عرائش تظلل الحياة بنعيم أخلاقهم, حين تكون الحياة في دوراتها الداكنة, ومحطاتها العاصفة, وكُربها العابرة, وهمومها العارضة, فتتحول بهم خسائرها لمكاسب..
ولا أسمى من مكاسب الإنسان في الإنسان, وهو يتناكب في معية المحطات, ويتلاقى في زحمة العبور, فيكون للآخر البلسم, والظل, ونافذة لفضاءات مبهجة, ذات نسائم عليلة شذية, وارفة بالنعيم, تمنحهم فرص الخروج من تلك المحطات, والخلاص من ذلك الازدحام, والنجاة من تلك الكرب, والهموم, فتعود إليهم الحياة في وداعة الرضا في معية المتسامين..