عمر إبراهيم الرشيد
تمثّل الجامعة صرحاً حضارياً لأي مجتمع وبلد، وركناً رشيداً ينشده كل باحث عن معرفة وتأهيل علمي وتقني، تخرج بناة المجتمعات ورجال الدولة وكوادر العمل الحكومي والخاص. غالبية الوزراء وأساطين السياسة والاقتصاد تجدهم أساتذة جامعيين سابقين أو حاصلين على شهادة أكاديمية عليا من هذه الجامعة أو تلك. وبالطبع هذا هو المفترض بكل جامعة مرموقة وفي كل مجتمع ودولة تكون فيها الجامعة مقصداً ومصدر إثراء اقتصادي واجتماعي ومعرفي. جامعة الملك سعود تعد ثاني أكبر جامعة في العالم من حيث المساحة والتي أنشئت في عهد الملك سعود - رحمه الله- وسميت باسمه عام 1377 هجرية - 1957 ميلادية، خرجت أعلاما بارزين من رجال الدولة إلى الأطباء والمفكرين والكوادر الوطنية في مختلف المجالات رجالاً ونساءً. ولعل من أكبر التحولات التي مرت بها هذه الجامعة إطلاقها عمليات بناء الأوقاف كما هو معمول به في معظم جامعات العالم المتقدِّم، حتى لا تكون معتمدة على الإنفاق الحكومي بشكل كبير، مما وفر للجامعة أوقافاً بمئات الملايين لتشكِّل رافداً اقتصادياً وتنموياً للجامعة ومن ثم للوطن والمجتمع عموماً. ومن أكبر داعمي تلك الأوقاف ومنشئي كراسي البحث الدكتور ناصر الرشيد الذي قدم الكثير لوطنه ومجتمعه، مما يجعلني أتساءل متعجباً عمَّا قدّمته الجامعة له في المقابل معنوياً لا مادياً فهو ليس بحاجة لمكافأة قدر استحقاقه لتكريمه هو وكل من ساهم بكرسي بحث أو وقف كما فعل ابن حائل. لم لا نشيع عمل الخير ونحفز الميسورين ورجال الأعمال وصاحبات المشاريع والمبادرات عن طريق تكريم من يسهم منهم ويقدم خدمة لوطنه، بإطلاق اسمه على مبنى يقدّمه أو قاعة يتبرع بها، أو إقامة حفل تكريمي له وندوة عنه ونحو ذلك، لماذا نضن عليهم بأبسط حقوقهم المعنوية؟
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أليس من حق الأبناء والبنات من أسرة المتبرع أن يكون لهم أحقية في الالتحاق بالجامعة والتخصص الذي يرغبون فيه؟ لقد التحق ابني بالجامعة بعد وساطات وعمه الدكتور ناصر قد تبرع للجامعة بأربعة كراسي بحث إضافة إلى مبنى استثماري ضخم في حرم الجامعة، وحين قطع دراسته ليعمل في أحد البنوك ثم عاد للدراسة بعد مضي أكثر من سنة أوقفت عنه المكافأة بحجة انقطاعه تلك المدة، وهو ليس بحاجة تلك المكافأة ولله الحمد والمنّة فلم نعترض واستأنف دراسته لكني استغربت هذا الإجراء من الجامعة ومعناه! بنت أخي والدكتور ناصر عمها أيضاً قالت لها مسؤولة التسجيل حرفياً (إذا لم يكن لديك واسطة فاخرجي من القاعة) ولم تستطع أن توضح لها أن عمها من أكبر داعمي أوقاف الجامعة وكراسي بحوثها، إما خجلاً أو ارتباكاً وقلة حيلة، فهل هذا من الوفاء لهذا الرجل وأقربائه؟ وحين نعتب على الجامعة فالعتب على قدر المقام ومقام الجامعة كما قلت معروف، صرح وطني نعتز به وهي أحرى بالوفاء لمن يستحقه، والدولة تقدّم لها المليارات من الدعم إلى جانب الجامعات السعودية الأخرى سنوياً. وحين نتحدث عن القبول لا نطلب من الجامعة قبول ذوي المتبرع بشهادة المتوسطة مثلاً، إنما بشهادة الثانوية ومعدل مرتفع كذلك وهو ما لم يشفع لابنة أخ الدكتور ناصر كمثال. حمى الله هذا الوطن الغالي قيادةً وشعباً، والله يرعاكم بعنايته.