فهد بن جليد
في مثل هذه التجربة الاقتصادية الجديدة التي يمرُّ بها مُجتمعنا، تظهر بعض النصائح والأفكار المتنوعة والمُختلفة، مؤخراً سمعتُ أحدهم يتساءل عن دور الأبناء الصحيح والمُنتظر في مُساندة رب الأسرة لمواجهة المصاريف الإضافية، وضرورة إلزامهم بأعمال مُناسبة وقت الفراغ بمعنى (استثمارهم) لزيادة دخل الأسرة، بل إنَّ هناك من ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بضرورة إلزام الأولاد بسداد جزء مما تم صرفه عليهم بتربيتهم وتعليمهم في سنوات طويلة حتى أصبحوا مؤهلين للعمل.
أجريت مسحاً بسيطاً لأتعرَّف على رأي ووجهة نظر بعض الأبناء، فوجدت نسبة كبيرة منهم مُتحمسين ومُستعدين لفعل شيء من أجل والديهم، ولكنَّهم لا يعون حجم تلك المبالغ ولا كيف سيتم سدادها لو طلبت بالفعل، فيما البعض يرفض الفكرة جملة وتفصيلاً، مُعتقداً بأنَّ الأب والأم مُلزمان بتربية الولد - تشمل الابن والابنة - والصرف عليه وتأهيله وعدم مُطالبته بذلك، تماماً مثلما يفعل الوطن مع أبنائه الذي يعلمهم ويؤهلهم ويُعالجهم ويحميهم ..، وقد يتركونه ليعملوا في بلدان أخرى، ويخدموا مجتمعات غير مُجتمعاتهم التي أهلتهم بحثاً عن مصالحهم الشخصية، دون أن يطالبهم أحد بالسداد.
التفكير في إيجاد آلية لمُشاركة الأبناء في التخفيف من مصاريف الأسرة، أو ضبطها مع المُتغيرات الجديدة مطلب وضرورة، ولكنني أعتقد أنَّ الذهاب أكثر من ذلك لمسألة مُطالبتهم بسداد جزء مما تم صرفه عليهم لتربيتهم، أم غير مُستساغ في مُجتمعاتنا وثقافتنا، وإن كان تفكير الشاب بينه وبين نفسه مطلوب، لناحية معرفة ما بذله الأبوان وتقديره، تخيَّل لو أنَّ الوالدين طالبا بالفعل بتسديد جميع المبالغ التي صرفاها عليه - على الأقل في العقدين الأولين من حياته - أعتقد أن الكثيرين سيكونوا عاجزين عن السداد والإيفاء بهذه التكلفة المالية فقط، فكيف يمكن تقييم الوقت والجهد الذي بذلاه حتي يتم تعويضهما بطريقة عادلة ومُستحقة.
ولنا في قصة الأم التايوانية (لو) وولديها خير مثال، عندما أبرمت معهما عقداً في عام 1990م بعد طلاقها من زوجها، على أن تتحمل وحدها مصاريفهما حتى يتخرجا، ويديرا عيادة الأسنان التي تملكها الأسرة، وتحصل على 60 % من الدخل مُقابل التربية، الابن الأكبر دفع المبلغ بعد مفاوضات، ولكن تشو الابن الأصغر، رفض حتى ألزمته المحكمة بدفع 626 ألف دولار لوالدته، مقابل التربية.
الأم والأب والوطن لن يطلبا منك - يوما ما - سداد ما صرفوه عليك وقدموه لك، ولكن من حقهم علينا أن نشعر بذلك، ونقدِّره ونذكره عند الحاجة، ونُلجِّم به أفواه المُرجفين والمُتربصِّين، فنحن نعيش حريتنا بلا مِنَّة من أحد.
وعلى دروب الخير نلتقي.