د. محمد عبدالله الخازم
صناعة الإعلام التقليدية، كالصحف والتلفزيون، تمر بمنعطفات حرجة، لم تعهدها من قبل، بعد أن كانت تتسيد المشهد. على مستوى التلفزيون هناك القنوات الحكومية، وهذه تجد الدعم من الحكومات، أو من جهات غير ربحية تدعمها الحكومة. حتى في الدول ذات الإعلام التجاري تجد قنوات حكومية، أو تدعمها الحكومة. وعندما نشير إلى الدعم فذلك محاولة للتفريق بين التجارية والحكومية؛ إذ يكون هناك خلط لدى البعض، ويطالب القنوات الحكومية الرسمية بمنافسة التجارية، وهذا أمر صعب تحقيقه، إلا في حال عدم التزام القناة بأهداف تثقيفية واجتماعية وتوعوية، وتركيزها على الجانب التجاري المتمثل في الترفيه والرياضة والأخبار. هناك قنوات عالمية تخلو من الإعلان تمامًا؛ لأنها مدعومة بشكل رسمي، يغنيها عن ذلك.
سأركز على القنوات السعودية، وأعتقد أن هناك خلطًا في تصنيفها سواسية؛ فالمفترض التركيز على قناتين، أو ثلاث؛ لتكون ذات طابع رسمي، والأخرى تجارية. بمعنى أنه لا مانع من اعتبار «الإخبارية» و»الرياضية» من القنوات التجارية، ومحاسبة نجاحها وفشلها وفق المبدأ الاقتصادي، بينما اعتبار القناتَيْن الأولى والثانية من القنوات الرسمية التي تجد الدعم من الحكومة. ربما كان ذلك المقصود بإعلان «الإخبارية» كشركة.
صدر قرار إغلاق القناة الثانية - كمثال - ورحب به البعض متجاوزين فهم طبيعة القناة الرسمية غير الربحية، ونوعية الجمهور المستهدف من قِبل القناة. القناة الثانية جمهورها المستهدف هم فئة الأجانب المقيمين في المملكة، وليس الجمهور السعودي؛ وبإمكانها أن تكون باللغة الإنجليزية ولغات أخرى. في الماضي كان يتابعها الأجانب؛ لأنها كانت أنشط، لكن تراجع أداؤها لأسباب، أهمها غياب الدعم، وعدم التجديد في كوادرها؛ وبالتالي عدم تطوُّرها. لقد شاركت مع هذه القناة ضيفًا، وكان جليًّا فقرها، وغياب الدعم عنها، سواء الدعم الفني، أو تجديد الكوادر. وإضافة إلى ذلك محاولة البعض تحويلها إلى قناة دعوة موجهة باللغة الإنجليزية. حاول القائمون عليها تعويض ذلك ببرامج، أغلبها لقاءات داخلية متواضعة، جعلتها تبدو مملة. القناة تخاطب المقيمين، ولكنها غائبة عن الشارع ببرامج حية جذابة، وغائبة عن التواصل مع السفارات والجاليات النشطة، وعن تقديم رسائل حية من دول الجاليات الكبرى في السعودية. لقد أسست دول كبرى قنوات مجانية - أمريكا مثلاً - لمخاطبة الآخر، ونحن نقفل قناتنا اليتيمة في هذا الشأن؛ لذا أراه مهمًّا إعادتها بشرط مخاطبتها جمهورها المقيمين في المملكة، وتقديم مواد تفاعلية، تحكي نبض الشارع فيما له علاقة بهم. التواصل مع الآخر يبدأ من التواصل مع الجاليات المقيمة ببلادنا.
أرجو أن يكون إيقاف هذه القناة مؤقتًا، وأن يعاد افتتاحها بدعم كبير، وكوادر شابة حديثة، مع التركيز على فكرتها وأهدافها؛ فليس المطلوب أن تدخل إعلانات كبيرة، وليس المطلوب عدد مشاهدة بالملايين بقدر ما هو مطلوب منها التواصل مع كل سفارة وكل جالية.
أخيرًا، القنوات التلفزيونية لم تعد جذابة بمفردها ما لم تكن موجودة على منصات إعلامية متكاملة مستفيدة من وسائل (الملتيميديا) المختلفة، والتواصل الحديثة والمتنوعة. هذا الأمر - للأسف - غائب في جميع قنواتنا، وليس فقط الثانية. لتكن مرئية وصوتية ومقروءة وتفاعلية حية على الإنترنت بالاندماج مع الإذاعة الإنجليزية، وربما إحدى الصحف الصادرة بالإنجليزية!