هاني سالم مسهور
ستظل ارتدادات اغتيال علي عبدالله صالح تتفاعل بشكل (مألوف) يمنياً، فلطالما كان اليمنيون أكثر اعتياداً على هذه الدراماتيكية في حياتهم السياسية المعروفة بالاضطراب منذ أن خرجت ثورة 1962م في شمال البلاد حتى وصلت في العام 1970م إلى تزاوج الملكيين والجمهوريين في حالة انفراد يمنية فلقد أبقت الثورة السبتمبرية كافة رموز خصومها وسارت الجمهورية كما سارت الملكية في تناغم دفع ثمنه اليمنيون إفراطاً في التشظي السياسي الذي لم يتوقف للحظة من تاريخ اليمن الحديث فلقد أُغتيل كُل من تولى الرئاسة شمالاً وكذلك جنوباً ولم يحظ بالحياة إلا علي ناصر محمد وعلي سالم البيض اللذان نُفيّا عن بلادهم.
فبينما حوّلَت مليشيات الحوثي الإيرانية صنعاء إلى أكبر معتقل في العالم، ففي صنعاء يتم القتل والتنكيل والتعذيب والسرقة والسطو والنهب لإخضاع المجتمع اليمني بقبول سلطة الأمر الواقع بفعل إقصاء حزب المؤتمر الشعبي العام وفرض منهجية تقوم على مرتكز الطائفية وإن كانت بتسييل الدماء فالهدف هو الخضوع لما يرى وكيل الولي الفقيه في اليمن، هذا ما يقود اليمن بكل طوائفه السياسية والقبلية والمناطقية لضرورة تحتم الأخذ بزمام مبادرة وطنية لمواجهة كل ما يحدث في شمال اليمن.
اكتشف اليمنيون أن أحزابهم السياسية تعاني هشاشة في عظامها فكل الاهتزازات التي أصابت اليمن منذ 2011م لم تستطع الأحزاب السياسية معالجتها أو على الأقل امتصاصها فالكل تحول أمام ما يحدث إلى قطط وديعة تماهت مع التحولات التي فرضتها الأحداث المتوالية، وفي هذه اللحظة يتساءل أحد الأخوة العرب لماذا يحدث في اليمن كل هذا؟، الجواب: بسبب تزاوج الأشياء مع بعضها البعض، ظاهرة سياسية فريدة في اليمن، فبالنظر إلى ما يُسمى اللقاء المشترك الذي يعتبر اصطفاف أحزاب معارضة للحزب الحاكم فإن هذه الأحزاب تجتمع بأطيافها المتناقضة اشتراكية وراديكالية إسلامية وعدد من الأحزاب الكرتونية التي ليس لها ثقل شعبي تتآلف مع بعضها البعض لمعارضة حزب المؤتمر الشعبي العام الذي حقق أمام كافة خصومه انتصاراً في آخر انتخابات برلمانية حقق فيها أكثر من 80 % من المقاعد، أي أن المؤتمر الشعبي العام ضرب خصومه بالضربة القاضية وما زال حتى مع فقدانه للرئيس صالح لاعباً مُفضلاً عند الجماهير اليمنية.
مُشكلة الأحزاب السياسية في بلد كاليمن تتزاوج فيها القبيلة مع المذهبية مع المناطقية مع كل الطُرق المؤدية لتحقيق مكتسبات مالية باسم اليمن وتحت رعاية القوانين، حالة التزاوج هي تفريغ لسلطة الدستور وهذا ما اعتاد عليه اليمنيون في مختلف مراحلهم السياسية، وهذا يُعمق تشخيص الإشكالية المُزمنة بأن اليمن يُعاني من تفشي الأميّة فمع غياب التعليم لا يمكن بأن تسود الديمقراطية وتتحقق عدالة القانون السياسي.
في مشهد لافت مع اغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح ظهر على الإعلام تفشي طرفي الإسلام السياسي في اليمن بشقيّه السنّي والشيعي، فالحوثيون وعلى رأسهم كبيرهم عبدالملك الحوثي أظهر قدراً مهولاً في التفشي من المغدور صالح كذلك كان إخوان اليمن حتى اعتبرت توكل كرمان أنه باغتيال صالح حان الوقت للتحالف مع الحوثيين وطيّ صفحة الاختصام معهم، هذا السلوك لا يتوافق مع الطبيعة السياسية في كل البلدان الديمقراطية بينما يظهر في بلد كاليمن يعيش (أميّة ديمقراطية) فيها اضطراب سلوكي مرجعيته الأساسية التعليم.
وهذا يُعيدنا إلى حالة التشظي السياسية في اليمن على مستوى كافة الأحزاب السياسية وإن كان الجنوبيون يُظهرون تماسكاً كنتيجة طبيعية لمعاناتهم السياسية منذ حرب صيف 1994م، والحالة الجنوبية يُمكن إسقاطها على حالة المؤتمر الشعبي العام بعد اغتيال علي عبدالله صالح وحملة القمع والإرهاب بحق كوادره مما أدخل الحزب السياسي في مظلومية سياسية ستذهب به آجلاً أو عاجلاً للتماسك تحت شعار الثأر السياسي من الحوثيين وهو ما سيعزز من حظوظ الحزب في لعب دور سياسي قادم في شمال اليمن.
فكرة الأحزاب السياسية الدينية بحد ذاتها لا تستقيم مع بُنية الدولة المدنية الحديثة، فلا يُمكن للحوثيين إقامة نظام سياسي مرجعيته ولاية الفقيه في طهران، كما لا يُمكن لإخوان اليمن إقامة نظام سياسي مرجعيته المرشد الأعلى في اسطنبول، هذه التضاربات قادت اليمنيين إلى فراغ سياسي لانعدام الأرضية السياسية الصالحة للحركة والمناورة وفقاً لقواعد عملية سياسية متناسقة ومتصلة بموجب السلطات الرئاسية والتشريعية والقضائية فكل السلطات غارقة في التزاوج المؤدي لتحقيق الرغبات والمصالح سواء كانت ذاتية أو قبلية أو مذهبية أو حتى مناطقية، فالفشل السياسي نتيجته الحتمية هي صراعات دموية وما حدث في سبتمبر 2014م هو نتيجة، وما حدث باغتيال علي صالح هو نتيجة، فالفراغ الحزبي السياسي منذ نشوء الجمهورية مهّد لكل هذا الصراع الدامي.