د. محمد بن عبد الله ال زلفة
تحول هذا الحمى بمساحته الشاسعة إلى ملكية خاصة رغم معارضة أهله ثم تم بيعه مخططاً اعتمدته البلدية بطريقة غير مدروسة لأنه لا يصلح أبداً أن يكون مخططاً صالحاً للسكن لأنه في بطن وادي كان مكتظاً بغابة من أشجار الطلح الذي لم أر لضخامتها وقدمها مثيل، أزيلت تلك الغابة التي يعود بعض أشجارها إلى مئات السنين بواسطة المعدات الثقيلة التي ما كان بغيرها تزول تلك أشجار بسهولة بنيت المنازل على أنقاض تلك الأشجار في أرض غير صالحة للبناء فالرمال الذهبية في ذلك الوادي لها عمق يتجاوز العديد من الأمتار بنيت المنازل فوق هذه الرمال المتحركة والمتجددة مع قدوم كل سيل تفيض به الوديان المحيطة فيهدد سكان تلك المنازل مع كل موسم أمطار ما جعل هذا الحي من أخطر الأحياء غير الصالح للسكن بسبب الموقع ومخاطر السيول ربما هذا عقاب لمن تعدى على حد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قول فيه. وهناك مطالبة بإزالة هذا الحي ولكن التكلفة غالية جداً.
كان الاحتطاب نصيب كبير في القوانين العرفية المكتوبة حينما لم يكن حينذاك وسائل للطهي غير الحطب فحددت الأعراف المكتوبة طريقة الاحتطاب ومنعت منعاً باتاً قطع الأشجار الخضراء لهذا الغرض ووضعت عقوبات قاسية وشديدة وغرامات مالية على من يقطع شجرة خضراء لأي غرض كان إلا ما كان للأغراض المتعلقة بالإنتاج مثل أدوات الزراعية وبناء بيت الضرورة مثل بيوت للفقراء وضمن مواصفات تحت إشراف الهيئة المشرفة التي أشرنا إليها.
لم يكن الإنسان قاسياً حتى مع الحيوانات المؤذية التي تلحق بمزارعه الضرر فكانت وسائل صده لها حضارية مع أنه قادر على استخدام وسائل مختلفة لتخويفها أو التخلص منها فأروي لكم قصة حضارية يتوارث روايتها الأجيال بعد الأجيال في قرية المراغة وهي مسقط رأس كاتب هذه السطور، وهي قرية قديمة جداً وذات موقع جميل تمتد على ضفاف وادي «القرَّية» عند منابعه جبال وآكام عالية متشابكة تسمى بالمخش في هذه الجبال والآكام تجد أنواع كثيرة من الحيوانات البرية والطيور النادرة مكاناً آمناً لسكنها، حيث قل ما ذهب الإنسان إلى هناك ومن هذه الحيوانات القرود فكانت هذه القرود تقوم بزيارات موسمية لمزارع أهل القرية وخاصة في أوقات معينة من السنة توافق موعد نضح ثمار التين البري «الحماط» فرأي أهل القرية أن يزرعوا ضفتي الوادي وعلى مسافات طويلة بأشجار الحماط كحائط صد للقرود وحصولها على أكلتها المفضلة من الفاكهة الموسمية التي يبدو أنها تأتي إلى هنا للبحث عنها ولذا أشتهر وادي قريتنا بوادي الحماط وكان يوجد به من أشجار هذه الثمرة أكثر من عشرين نوع معظمها الآن انقرض بسبب الإهمال ودخول الناس في أتون المدينة الزائفة منابع هذا الوادي الجميل الذي أصبح الآن مزبلة لقاذورات بلدية أحد رفيدة وغيرها من البلديات المحيطة استخدمها لهذا الغرض السيئ قد أنشئ بين تلك المنابع ومشارف القرية سد مائي قامت به وزارة الزراعة مشكورة أضفى على المنطقة منظر جميل وتكاثرت الطيور منها وما قد هاجر عاد مرة أخرى بشكل متكاثر على وجود المسطح المائي الدائم قبل تلوثه بمخلفات البلدية فأثر تأثيراً سلبياً على وضع تلك الكائنات الحية الجميلة.
والمؤسف أيضاً أن ما يحيط بمنابع ذلك الوادي وبالقرب من السد الذي أقيم عليه وما يحيط به من آكام وهضاب وجبال كانت تشكل إطاراً جميلاً للقرية أصبحت تستغل استغلالاً سيئاً وعشوائياً من قبل بعض المواطنين ومن قبل البلدية نفسها التي ساهمت في بيع أو منح أو غض النظر تلك الآكام على بعض الأشخاص أو المؤسسات والجمعيات الوهمية والكل يستغرب كيف سيكون حال هذه الأرض البكر بكل تضاريسها المتنوعة ولكنها جميلة إذا ما تدخل الإنسان بعشوائيته في تشويهها وهو في الحقيقة ليس بحاجة إليها لأنها لا تصلح لأي شيء إلا أن تبقى على شكلها كما خلقها ربها متنزهات عامة لكل الناس وحماية لما فيها من الحياة الفطرية وحماية للبيئة بشكل عام من التشويه العشوائي والتلوث البصري والعبث بمناطق خلقها الله لإمتاع نظر وبال الإنسان لا لإشباع حب التملك وغريزة التسلط والجبروت.
وأنا أستذكر هذه الخواطر حول اهتمام أهلنا في الماضي بنظافة وسلامة بيئتهم أصبحت، وأنا واثق بأنني لست وحدي أحمل هم ما تواجهه البيئة في السنوات الأخيرة من تحديات خطيرة أهما الدور التدميري الذي يقوم به إنسان هذه الأيام دونما إدراك لمخاطر ما يقوم به وما سيترتب عليه من تعاسة له وتعاسة للأجيال التي ستأتي من بعده.
ونحن نعيش هذه الأيام اهتمام عالمي ومحلي بالمخاطر التي تهدد البيئة أدعو إلى أن لا يكون اهتمامنا في هذه البلاد بالبيئة موسمياً ولا نخبوياً فقط بل الأمر يحتم علينا أن نكثف اهتمامنا جميعاً وعلى مدار أيام العام وعلى جميع المستويات نبدأها بتوعية الأسرة والأطفال وأبناء وبنات المدارس وتشكيل لجان وطنية في كل منطقة تسمى لجان أصدقاء البيئة ولها صفة رقابية حتى على البلديات وغيرها من الجهات التي قد يبدو فيها تقصيراً في القيام بواجباتها لخدمة البيئة وفوق كل ذلك سن التشريعات التي تحمي البيئة وتعاقب كل من يعتدي عليها أفراداً كانوا أو مؤسسات وإدخال مواد تعليمية مكثفة عن البيئة في مناهجنا الدراسية ضمن مواد العلوم الطبيعية والجغرافيا والتاريخ ولكل ماله علاقة بحماية صحة الإنسان.
وبهذه المناسبة أعد مركز آل زلفة الثقافي والحضاري كتاب على وشك الصدور يشتمل على ما يربو على مائة وخمسين قانونا عرفيا مكتوب يعود بعضها إلى أكثر من ثلاثمائة سنة تتناول كل مناحي حياة المجتمع العسيري بكافة النظم الحاكمة وتحتل وثائق البيئة النصيب الأكبر من هذه القوانين العرفية النادرة. وسيقيم المركز معرضاً لهذه الوثائق ضمن نشاطاته الثقافية في مقره الرئيسي بقرية المراغة وفي مقر دار بلاد العرب للنشر بمدينة الرياض.