د.عبدالعزيز العمر
لا زالت مفردة (الشك) - بجانب أختها مفردة (النقد)- تثير جدلا واسعا في ثقافتنا العربية والمحلية. وللعالم الحسن ابن الهيثم في هذا الشأن مقولة شهيرة مضمونها أن الحقيقة تقع في بطن الشك، أي أن الوصول إلى الحقيقة لابد أن يمر عبر بوابة الشك. للأسف لا يزال تعليمنا حتى اليوم يحرم طلابنا من فرص ممارسة هذا المبدأ. والشك هنا يعني تحديدا أن الطالب يعلق حكمه على أي فكرة (أي لا ينكرها ولا يقبلها) حتى ينتهي من محاكمة تلك الفكرة في ضوء ما يتوصل إليه من معلومات ممحصة عن الفكرة وما يتوفر لديه عنها من أدلة عقلية ومنطقية تؤيدها أو ترفضها، وبناء على هذه المحاكمة قد يقبل الطالب في النهاية بصحة الفكرة وقد ينفيها. اليوم تؤكد كل النظم التعليمية المتقدمة على تعليم طلابها مبدأ الشك المنهجي، باعتباره سيقودهم إلى اليقين أو إلى معرفة الحقيقة. وهنا لابد أن ننوه إلى أننا نتحدث في هذه المقالة عن الشك المعرفي المنهجي وليس الشك العقائدي الفلسفي. كما لابد أن نؤكد في هذا السياق أن الشك ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لتعويد الطلاب على استراتيجية الوصول إلى الحقيقة العلمية المدعومة بالدليل والمنطق.
إن قبول الفرد بمبدأ الشك وممارسته له يعني أنه لا يقبل بأي سلطان عليه سوى سلطان العقل. لنتذكر أن مبدأ الشك هو الذي قاد العلماء عبر القرون إلى الحقائق والنظريات العلمية التي أنتجت كل ما نراه اليوم من مكتشفات علمية مذهلة، وإذا أردنا لطلابنا أن يصبحوا علماء فعلى معلميهم -وخصوصا معلمي العلوم- تعويدهم على البدء بالشك في صحة أي فكرة قبل التسليم الأعمى بصحتها دون دليل مقنع.