ناصر الصِرامي
اختلفت ردود الفعل على مقابلة وزير المالية محمد الجدعان بعد ظهوره على القناة السعودية الأولى في الحوار الذي أجراه مدير القناة السعودية الزميل خالد مدخلي. ونقلته محطات سعودية أخرى، حيث بدأ المسؤولون السعوديون بالظهور مؤخرًا عبر قنواتهم الوطنية المحلية وهذا هو الأمر الطبيعي!
ردود الأفعال كانت صاخبة ومزعجة وصادمة وأقلها متفهم، وهذا أمر طبيعي جدًا هو الآخر، المقابلة في زمنها وموضوعاتها غير عادية، فما تحدث عنه الوزير، هو من الموضوعات الشائكة جدًا والحساسة جدًا جدًا لدى الشارع السعودي بل وحرجة أيضًا الآن، فهي تتعلق بفرض ضريبة القيمة المُضافة، ورفع أسعار الوقود مع قدوم السنة الميلادية الجديدة، إضافة إلى الجدل الدائر حول حساب المواطن مقابل الأرقام المُضافة على الدخل..!
لكن بعيدًا عن بعض العاطفة والصخب، نحن في السعودية يجب أن نرى الواقع الجديد للحياة اليوم ونعترف به، مهما ارتفع الصراخ والنقد والسخرية، وقد أشارككم في ذلك، لكن مهما حزنا وانزعجنا وأزعجنا كل من حولنا، فإن الخبر غير السار أبدًا، هو أننا لن نعد لما قبل. فالضريبة أصبحت واقعًا، وهي غير قابلة للهبوط أبدًا، بل الحقيقة أنها مرشحة للصعود خلال السنوات المقبلة، ووفقًا لما هو معلن!.
الناس في العادة تحب من يصرخ معها، ويشاركها الاحتجاج حتى على القضايا الخاسرة، لكننى لن أفعل ذلك، بل أؤكد أن الواقع المعيشي في السعودية تغير للأبد، وحتى لو بلغ سعر النفط فوق100 دولار البرميل، فإن الحقيقة تبقى في استمرار الضرائب وتعويم أسعار الطاقة مع الأسواق العالمية. أيضًا ومع الصدمة وبعده، أؤكد أن التغيرات والتحولات المتسارعة والتحديات الاقتصادية المستقبلية لن تتوقف، والسعودية القديمة تغيرت للأبد، ولكل تحول ضريبته وآثاره. والثابت أن ضريبة القيمة المُضافة أصبحت واقعًا وأسعار القود صارت رسمية، وحساب المواطن، هذا الحساب المتواضع، ليس سوى مجرد عامل مساعد لتحمل «بعض» تكاليف زيادة مصاريف الحياة.. وليس بديلاً عنها أبدًا، وهذا جزء من فشل الإعلام الرسمي وتصريحات بعض الوزراء والمسؤولين التي رفعت السقف عن الواقع، وقدمت حساب المواطن وكأنه دخل بديل!.
هذا هو الواقع الاقتصادي الجديد، وهذا ما بعنيه خطة وبرنامج الاستغناء عن الاعتماد المطلق على النفط في المملكة السعودية. والحقيقة التي يجب أن ندركها، وهي أن ما سبق رأس السنة 2018 م لن يشبه ما بعده. نحن الآن عمليًا في خضم تحولات كبرى وتصحيح المعادلة الاقتصادية «المشوهة» لصالح مستقبل البلاد لعقود وعقود قادمة، هذه العملية الجراحية الدقيقة في عصب اقتصاد البلاد تعني الألم.. لكن الأهم هو في مراقبة فريق الجراحة والعمل وأدائه الفعلي ونقد هذا الأداء بمسؤولية وحقائق حتى لا يكون التشخيص خاطئًا أو العملية مخاطرة طارئة.. وهذ ما يحب أن نعمل في السعودية عليه.. أعني رفع الثقة بالإجراءات ونتائجها.. وهذا ما يريد الناس اليوم معرفته وتوثيقه.
ثم أضيف.. لعل السبيل الوحيد لتخفيف هذه الزيادات والمصروفات هو في تغير الكثير من العادات الاجتماعية والاقتصادية.. وضغط الإنفاق وتقنينه على المستوى الشخصي لمن استطاع إلى ذلك سبيلا. ثم العمل بجد ولو في أكثر من وظيفة ثابتة ومؤقتة، كما الأهم استغلال أبسط الفرص التجارية وربما أقلها جاذبية اجتماعية وأكثرها عطاءً ماديًا.. وهذا سبيل الجميع.