د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
بدتْ وزارة التعليم في حقبتها الأخيرة تنتخب أفكارها بالمنقاش، فالخطاب المؤسسي أضحى نسيجهُ أكثر متانة وعمقًا! فمنصة التعليم لا يغيبُ عنها الرقيب المجتمعي؛ ولذلك فإن حراكها مرصود مُراقب؛ فكان «مركز الوعي الفكري» الذي دخل إلى هيكل الوزارة حديثًا بأهداف جليلة جزءًا هامًا من المشروع التعليمي التربوي الذي أُشرعت ْله نوافذ الرؤية الوطنية «2030»، حيث إن حصر الاهتمام بالجانب المعرفي دون توجيه الفكر وتغذيته بالقيم العليا يقلل من دور المؤسسة التعليمية حتما. والحال يتطلب من وزارة التعليم أن تبني مؤشرات قياس عليا تحدد سلامة الفكر في دوائرها المختلفة حتى أروقة الجامعات والفصول الدراسية، فلا بد من تحفيز القيم وصناعة الفكر المعتدل الذي يجعل متلقي التعليم يتذوق رحيق وطنه قناعة باستحقاقه لشخصية وطنية سوية تملك القدرة الناقدة المحفزة؛ وبالتالي تملأ تلك الشخصية فضاءات التنمية بكل طاقاتها. بمعنى أن تكون سلامة الفكر من أولويات الاستهداف التعليمي والتربوي والمجتمعي، فالنسق غير المعتدل في الفكر المتطرف يسمح للعدائية أن تجد لها بيئات خصبة؛ ومن ثم يتحول الانحراف الفكري إلى إرهاب بشري عندما ينصهر ذلك الفكر في سلوك يؤدي إلى التشظي والانقسام،،،
فتأسيس «مركز الوعي الفكري» في وزارة التعليم مسيرة جديدة في التعامل مع ذلك الملف الذي تقاذفته الأيدي حتى تلوث في بعض دروبها، فكان نتاج الحصاد هشًا في بعض مفاوزه مروعًا في مفاوز أخرى! وأجزمُ أن «مركز الوعي الفكري» الآن يبني إستراتيجية متينة لتعديل الفكر وصناعة مقومات الاعتدال والوعي لتعزيز المواطنة الحقيقية، وبث الروح الإيجابية عن الوطن وقيادته الرشيدة ومقدراته، وأن التنمية الوطنية تشارُك وائتلاف، وأرى أن المركز يلزمه لائحة متينة ذات بنود عليا تمكنه من فحص الواقع نظامًا؛ وثمة فضاء واسع لتحويل المخاطر إلى فرص مجزية من الوعي الخلاّق، كما يتطلب الوعي الفكري أيضًا مقاربات تفاعلية يُحسنُ فيها اختيار المتفاعلين مع عقول الشباب في منشآت التعليم، ولذلك لا يجب أن تُعطى الأولوية عند بناء إستراتيجية الوعي الفكري إلى تطوير تلقي الموضوع على نطاق المستهدفين! وذلك لأن العلاقة شبه منقطعة بين التصور الذهني المطلوب ومستوى الوعي الماثل، فبناء منصة قوية للانطلاق تبدأ من تشخيص أمين للواقع يقف عند اكتشاف العمق دون الوقوف على مظاهر انحراف الفكر الشكلية، فهناك في بعض المنشآت حزم من الفكر الآخر لم يتم اكتشافها فلا يمكن أن يتغير سلوك المستهدفين دون سبر واقع تلك الحزم الفكرية ومحتوياتها.
ولما أن «مركز الوعي الفكري» يختص بالوعي وهو مفهوم واسع ينبغي ترتيب أولوياته، واستشراف مستقبله استدلالاً على واقع الفكر المممارس ظاهريًا؛ والمخاتل أحيانًا، فإن الشق الآخر من عملية النقش الجميل بالفكر الأجمل هو تكوين نتاج فكري متنوع قوي متين؛ وأن يتم توجيه المدارس والجامعات لتجعل من الجماعات المتعلمة مصنعًا للإيجابيات الحافزة؛ وأن يكون الاختلاف مصدر فكر تنافسي إيجابي عميق؛ فالتعليم أداة للتغيير؛ والتربية وسيلة للبقاء والتعايش والاستمرار... فمن المؤمل أن لا تكون منطلقات «مركز الوعي الفكري» براقة لامعة ولكن المستهدفين غائبون عن الحضور!! بل نتطلع أن يكون المركز ذراعًا قوية تعزز الانتماء الوطني وتوفر الحماية الفكرية؛ وأن تُستقطب بالمنقاش أيضًا طواقم التنفيذ التي تحمل وعيًا يضاهي الوعي الفكري المراد نشره وتأصيله، ولعل المركز يتدخل وفق صلاحياته في تنظيم أوقات التلقي الفكري النامي المتزن في مدارس التعليم العام حيث تواجه المدارس صعوبة في إيجاد الوقت والحيّز الفكري المتوازن لبناء علاقات وطنية هادفة أو المشاركة في حوار عميق مجزٍ نفسيًا وفكريًا أو إظهار الوعي العاطفي الذي هو من المتكآت التي يجب أن تبنى من الثمين الغالي..
وختامًا، عندما يتربع «مركز الوعي الفكري» على ضفاف الوطن فإنه حتمًا سوف ينافس شرفًا آخر، وسوف ينهمر غيمة تبهج منصات الفكر المعتدل وتؤطر لحقبة تعليمية بيضاء تسر الناظرين ولوطن لا أبهى ولا أجمل منه.