م. خالد إبراهيم الحجي
إن الارتفاعات الجبلية الشاهقة شرق جدة، والأودية الأربعة الكبيرة التي تنبع منها وتتجه غربًا إلى البحر الأحمر:
(1): وادي غليل. (2): وادي حصاة مريخ. (3): وادي بريمان. (4): وادي الكراع، تعد جزءًا لا يتجزأ من تضاريس منطقة جدة وضواحيها الشاسعة؛ لأن أحياء مدينة جدة الحديثة أصبحت مصبًا لها نتيجة التمدد العمراني فوق مسارات الأودية وبطونها، وتزايد نسبة المباني الخرسانية التي حلت محل الأراضي الطبيعية، وعدم وجود أنظمة تصريف السيول البديلة التي تستوعب كميات المياه الهائلة الناتجة من هطول الأمطار الموسمية؛ مما جعل مدينة جدة معرضة للغرق بسبب أخطار السيول بما تحمله من كميات هائلة من الترسبات الرملية والطينية التي لا تستطيع الوصول إلى ساحل البحر الأحمر والتصريف فيه.
كما حدث في السنوات السابقة التي كان آخرها هذا العام 2017م، وبعضها كان كارثيًا أغرق مئات المنازل والمباني وتضرر بسببها الآلاف من السكان.. وأخطار السيول الناتجة عن تحويل أودية جدة إلى مخططات سكنية ومنشآت عمرانية مثل أخطار السيول التي كانت تواجه مدينة الرياض من وادي البطحاء الذي يخترق وسط المدينة.
والفرق بينهما أن وادي البطحاء تم درء الخطر منه قبل خمسة عقود تقريبًا ببناء قناة خرسانية عملاقة تحت شارع البطحاء لإخراج مياه الوادي خارج مدينة الرياض، قبل تحويله إلى شارع رئيس قامت على جانبيه مخططات سكنية ومنشآت عمرانية. وقد أثبت هذا الحل نجاحه إلى الآن.
أما في جدة فقد تم استغلال مسارات الأودية ومجاريها في التمدد العمراني قبل إيجاد حل جذري لتصريف مياه السيول المنحدرة فيها فتسببت في حوادث الغرق المتكررة، وحدوث الأضرار الجسيمة للمدينة. لذلك أن الأوان للهندسة السعودية أن تسترشد بتجربة وادي البطحاء السابقة، وبالإبداع الياباني الذي تمخض عن مشروعٍ هندسيِّ عبقريِّ أنقذ مدينة طوكيو من الغرق المتكرر من السيول المصاحبة للأعاصير الموسمية، واستغرق تنفيذه (14) عامًا ليخدم عمرًا افتراضيًا قدره (150) عامًا.. وهدف المشروع الياباني هو تجميع كل مياه السيول الفائضة من (16) نهرًا تخترق مدينة طوكيو بعد هطول الأمطار الغزيرة، ونقلها بقناة خرسانية عملاقة إلى خارج المدينة قبل حدوث أضرار جسيمة داخلها بسبب هذه السيول.
ويتكون هذا المشروع الياباني العبقري من خمس فتحات حفر أسطوانية الشكل (آبار صناعية عملاقة) مبطنة بالخرسانة المسلحة يصل قطر الحفرة الواحدة إلى (32) مترًا وعمقها يصل إلى (65) مترًا تحت سطح الأرض، وفيها يتم تجميع كميات السيول الهائلة الفائضة من الأنهار لتخرج من فتحات في أسفل الحفر العملاقة إلى قناة خرسانية ضخمة بعمق (65) مترًا تحت سطح الأرض، تعمل بمنزلة نهر يربط بين الحفر الخمس تتدفق فيه المياه إلى خزان جوفي هائل خارج مدينة طوكيو بعمق (83) مترًا تحت سطح الأرض، وعرض (80) مترًا، وطول (180) مترًا، عليه مضخات تعمل بمحركات نفاثة ترفع المياه إلى سطح الأرض وتضخها في نهر (أيدوجاوا) المجاور؛ وبذلك يتم تجميع المياه الفائضة قبل وصولها إلى المدينة ونقلها إلى خارجها. وقد حقق المشروع الياباني نسبة نجاح (95) في المائة في مواجهة الأعاصير الموسمية وما صاحبها من السيول الجارفة التي جاءت بعد إكماله عام 2006م.. واليوم يعد هذ الإنجاز الياباني الهندسي العملاق معلمًا سياحيًا لمدينة طوكيو يزوره السائحون.
إن ما تحتاجه جدة اليوم هو الجمع بين مشروع درء أخطار سيول وادي البطحاء الناجح، ومشروع علاج أخطار سيول طوكيو العملاق، وتكييف التجربتان في فكرة مشروع واحد يتناسب تصميمه مع طبوغرافية منطقة جدة وضواحيها الشاسعة، ويأخذ في الاعتبار كميات الأمطار الموسمية التي تهطل عليها؛ ليكون قادرًا على حماية مدينة جدة الحديثة من أخطار السيول الناتجة عن أشد وأخطر الفيضانات الاستوائية المدمرة المتوقع حدوثها مرة كل مائة عام؛ بهدف تجميع مياه السيول المنحدرة من جبال جدة عبر أوديتها قبل أن تصل إلى أحياء المدينة، ونقلها إلى خزان أرضي عملاق أكبر من خزان طوكيو للاستفادة منه كمصدر آخر للمياه العذبة لمنطقة جدة وضخ الفائض في البحر الأحمر.
الخلاصة:
أنصح القائمين على التصاميم الهندسية لمشروع تصريف سيول مدينة جدة زيارة مدينة طوكيو للوقوف على الإبداع الهندسي الياباني الذي يحمي مدينة طوكيو من الفيضانات الموسمية.