بالرغم من النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة العربية السعودية، يظل مستوى البطالة عالياً نسبياً والذي يشكل تحدياً لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية. وبالإضافة لذلك، معظم القوى العاملة الوطنية تعمل في القطاع الحكومي من ما يشكل عبئاً على ميزانية الدولة، بينما يشكل المواطنون أقلية من القوى العاملة في القطاع الخاص وذلك بنسبة 10 % تقريباً.
وكما هو معلوم تعتمد رؤية المملكة 2030 على خارطة طريق طموحة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ومهندس الرؤية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وما فيها من تقليل نسبة البطالة بين المواطنين، وهو أحد مؤشرات الأداء للهدف الإستراتيجي الثامن لبرنامج التحول الوطني 2020، بين المواطنين من 11.6 % إلى 9 % بحلول عام 2020 وذلك حرصاً من حكومة المملكة -رعاها الله- على رفع نسب السعودة في برامج ومبادرات حديثة عدة، مثل برنامج رسوم المقيمين والمرافقين، وبرنامج نطاقات الشهير الذي يقسم الشركات إلى عدة نطاقات (مثل النطاق الأخضر والأحمر) حسب نسبة السعودة ومنه يحدد بعض الحوافز والجزاءات حسب نطاق الشركة.
بالرغم من مساهمة نطاقات برفع عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص، فإنه يواجه نقداً من البعض بأنه أسهم برفع عدد المقيمين أكثر من السعوديين وأنه أسهم في انتشار السعودة الوهمية، بالإضافة لإسهام البرنامج في توظيف السعوديين في وظائف متدنية ومتوسطة الدخل. وبالرغم من ذلك فإن القوى العاملة المقيمة في المملكة تشكل 11 مليون شخص تقريبا ما نسبته 35 % من سكان المملكة، بينما نسبة البطالة بلغت 12.8 % وتجاوز عدد الباحثين عن عمل المليون مواطن.. هذا ويشكل متابعة برنامج نطاقات والبرامج الأخرى -بميزاتها وتحدياتها- عبئاً على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
المبادرة التي أقترحها، والتي تم إرسالها إلى معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية السابق والحالي ومعالي وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، هي إلزام الشركات كتابة نسب السعودة على منتجاتها ومنشآتها بشكل واضح للمستهلك بحيث إن المستهلك المواطن هو صاحب القرار في دعم منتج شركة، في حال تقارب الجودة والسعر، ذات نسبة سعودة أعلى من شركة تعتمد على القوى العاملة الأجنبية، وتحدث النسبة كل ربع سنة ومن الممكن تطبيقها ومعرفة أثرها بشكل تدريجي على قطاعات محددة مثل صناعة الألبان وبعض المواد الغذائية ووكالات السيارات ومصانع الإسمنت ونحوها، علماً بأن العديد من تلك الشركات الوطنية تجاوز عدد موظفيها عشرات الآلاف؛ ويشكل فيهم المقيمون النسبة الأكبر.
الميزة الرئيسة من مقترح كتابة نسبة السعودة هي وضع المواطن مكان المسؤول في تقليل البطالة بين المواطنين وهم يملكون القوة الشرائية الأقوى في الوطن. فمثلاً، هل يشتري المواطن لبناً عليه نسبة سعودة 18 % أو لبناً عليه نسبة سعودة 45 % في اعتقادي أن غالبية المواطنين سوف يختارون المنتج الذي يملك نسبة سعودة أعلى خصوصاً في حال تقارب الجودة والسعر وذلك من باب المواطنة والمسؤولية الاجتماعية.
ومن الممكن أن تكون النسبة مركبة لتمثل نسبة السعوديين في الوظائف العليا بالإضافة للوظائف المتوسطة ومتدنية الدخل ومدى استمرارية الموظفين في الشركة، فتصبح المبادرة برنامج تحسين مستمر يعتمد على مبدأ المنافسة بين الشركات والمصانع لرفع نسب السعودة وتحسين الأداء بأعلى حد لزيادة أرباحها.
وبحكم عملي كعضو هيئة تدريس في كلية الهندسة في جامعة الملك سعود، أرى من الطلبة من يجد تحدياً في الحصول على وظيفة تعينه على المساهمة في تنمية وطننا المعطاء، وبمعرفتي لقدراتهم المتميزة ومبررات بعض رجال الأعمال في نقد خريجي الجامعات الوطنية بمبررات ليست واقعية حول جودة مخرجات الجامعات ونظرتهم لها بأنها يفترض أن تكون مراكز تدريب، بالرغم من حصولها على الاعتماد المؤسسي من مراكز عالمية، وهم يوظفون خريجي جامعات من دول العالم الثالث في قطاعات لا تستدعي المهارة العالية.. أرى أن تطبيق المبادرة ليس فيها تقليل العبء على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فحسب، بل من باب المواطنة والمسؤولية الاجتماعية في مشاركة المواطنين بشكل فعال في تقليل البطالة ورفع نسب السعودة بالشراء من شركات ذات نسب سعودة أعلى.
** **
رئيس قسم الهندسة الميكانيكية - جامعة الملك سعود
aalabdulkarem@ksu.edu.sa