نادية السالمي
مجاعة الفكر أبشع من مجاعة العيش هذا ما قاله «علي شريعتي»، وهذا مانشاهده ونشهد عليه، للأسف البعض توصل إلى نتيجة مفادها أن الإعلام الجديد بحاجة إلى أخلاق جديدة، لهذا الكلمة التي كان يتحرّج من نطقها في مجلسه الآن يعرج إلى السماء إذا نطق بها، ويبدو أن النتائج نالت اعجابه، ولقي من حفاوة التصفيق ما حثه على مد هذه القناعة لتطغى على لغة الإعلام القديم، فينافس الإعلام الجديد مع القديم على البذاءة.
نصرة للوطن:
سائر كتائب المثقفين في العالم على كافة انتماءاتهم، وتباين أجنداتهم يحلمون بواقع أفضل وأحسن للمجتمع الذي ينتمون إليه، ومن لا يحلم أو سعى إلى غير هذا لا بد من وضعه داخل إطار الشك؛ فهو إما غير واع بالدور المنوط القيام به، أو تشبثت به الأنانية وراح يطوف حولها، ليتكسّب من المرحلة، وفي الحالتين هو صعلوك بعيد عن الثقافة وإن سمى نفسه مثقفًا، وإن مجَّده مريدوه، وطلع علينا في كل وسائل الإعلام.
لا أدري أي واقع جميل نطمح إليه ونحن نمزق صورتنا الجميلة في عيون الغير، ما المصلحة التي نرجوها للوطن حين نتطاول بالمن على الشعوب تارة لأننا قدمنا لهم المساعدات المالية ولم يقفوا في صفنا، وتارة أخرى لأننا دافعنا عن أرضهم وبذلنا الدماء، ولم يجندوا كافة إمكاناتهم من أجلنا؟!. ماالمطلوب من هذه الشعوب حتى يرضى رواد إعلامنا عنهم أن يتطاولوا بالشتائم على أنفسهم إذا كان لقيادتهم السياسية ونخبهم وجهة نظر لم تنصفنا وتقف في صفنا؟!.
أفهم وجع المواطن العادي من بعض الجحود الذي تلقاه السعودية إزاء ماقدمت للعرب والعالم الإسلامي، لكني لا أفهم كيف لمن يظهر في لإ?علام ويتكلم باسم الحكومة والشعب، ويكتب في مواقع التواصل أن يغيّب جزءًا من عقله ويقلل من قيمة وعيه، كيف لا يعرف أن لكل مرحلة تحالفات جديدة، تلغي التحالفات القديمة لضعفها أو انتهاء صلاحيتها، وعقد التحالفات الجديدة الأقوى هو ما ينبغي السعي إليه، وكيف يتمادى بالشتائم ويستمتع ويظن أنه يخدم الوطن ويهدم تحالفات هزيلة لتقوم نيابة عنها تحالفات جديدة؟!. ولا أدري كم مقدار الجهد الذي ستبذله وزارة الخارجية وسفراؤها لردم هذه الشتائم وطي هذه الصفحة؟!.
مقاييس الوطنية:
احترام خصمك المعيار الحقيقي لوعيك، وفهمك لأهمية وطنك، ومفهوم الاحترام هنا يعني عدم الاستهانة بالعدو والتقليل من خطره، والاستعداد لمواجهته بأسلوب حضاري، وكوادر واعية متزنة، لا تهزها كلمة أو تقرير، أما شن حرب الشتائم، وتناول الأعراض فلا تعني إلا السذاجة، والتمادي في نقل عراك أبناء الحارة إلى وسائل الإعلام بنفس منطق الشارع وألفاظه.
من قال إن اللسان الفاحش وشدة الإساءة للآخر من العوامل التي تحدد قيمتك الوطنية، يركض بنا نحو الهاوية، ومن يتطاول على الشعوب يسعى إلى تدمير الوطن في عيون المواطن والمقيم والعالم الذي ينظر إلينا.
إذا كانت وظيفة الحاكم العمل على استقرار الوطن فإن وظيفة المثقف السعي في مسالك الوعي والحرية والديمقراطية، والنخبة هي المسؤولة عن شيوع التخلف أو الوعي، فإذا لم تعمل بمقتضى دورها الحقيقي، ولم تأخذ بالقيم الثقافية ونسيت في خضم المصالح الخاصة أن المثقف صاحب رسالة تنويرية ثقافية وسياسية واجتماعية، ورياضية، فاقرأ علينا وعلى النشء السلام!.
يجب أن يقوم المثقف بدوره فالتغير عبء يقع عليه، كما يجب أن يقول وزير الثقافة والإعلام، ورؤساء التحرير لهذه الفوضى (لا) نحن أسمى، من اقحامنا - شعبًا وحكومة- في حرب شتائم لن نسترد من خلالها حقنا، ولا طائل منها إلا تكريس صورة ذهنية عن الشعب السعودي المحترم لا تليق بأخلاقه وبعيدة عن صفاته.
بالشتائم أنت لا تدافع عن بلادك بل تضعها في قفص الاتهام، لأن الشتائم تدل على أن مخرجات البلاد وكوادرها منحدرة الوعي ضعيفة الحجة وتعاني من فقر ثقافي بالغ.
نقطة من أول السطر:
نحن بحاجة بعد هذه المعارك، لصفحة جديدة يتم فيها إعادة التفكير بالوطن، يتم فيها تأهيل الكوادر الجديدة التي ينبغي أن تحل محل أصحاب الشتائم وصعاليكها، وكل من ثبت عدم صلاحيته في الحديث باسم الوطن، فبلادنا تستحق الأفضل، ويجب أن تظل وجهة الإخرين في السلم والحرب، يجب أن تظل الرياض عاصمة القرار العربي الرصين والموثوق أمام الصراع الجيو ستراتيجي والاستراتيجيات طويلة المدى في المنطقة، ويجب أن تكون معقل الحريات وتعدد الانتماءات المذهبية والأيدلوجية، لهذا نحن الآن في أمسِّ الحاجة لعودة المعارضة وخروج أصوات جديدة.. علينا أن ندفع الحريات للأمام وفق القانون، وتحت شعار الوطن فوق الجميع.