عصر المعلومة وحضورها الذهبي، نعيشه بكل تجلياته وشواهده، عصر تستطيع أن تعرف أشياء كثيرة، كانت في ما مضى شيئا من الخيال، وبجهد بسيط تستطيع أن تصل إلى ما تريد معرفته، باختصار أنه زمن المعلومات وألقها حضورا وسهولة وصول. في المقابل هذا الكم من المعلومات المتيسرة الوصول، ماذا أضاف للبشرية من حكمة وعلم وفكر؟.
الشواهد تقول إن الإنسانية تغمرها المعلومات وتتغشاها، لكن هذه الثورة تظل مجرد بيانات تسرح وتمرح دون أن تستثمر في تغير الواقع الإنساني إلى الأفضل والأجمل. الشواهد الحياتية تعكس انكفاء للإنسان مع ذاته، البعض يعيش عالما افتراضيا يحب من خلاله ويكره من خلاله، يمارس إجرامه ونزواته وتطلعاته من خلال التقنية المعلوماتية التي عزلته عن واقع وأدخلته في واقع آخر. الثورة المعلوماتية أفقدت الإنسان كثيرا من مبادئه من قيمه من أحلامه من إنسانيته، حتى علاقات الحب والتواصل أصبحت مدموغة ببعد (ديجتلي) مادي بغيض ينظر للمشاعر كلغة رقمية تتعاطاها التقنية صورا وكلاما منزوعتا المشاعر خالية من الشعور الفطري القديم الذي كان أنيس الإنسان في حله وترحاله. المعلومة تجتاحنا وتعيد صياغتنا كبشر رقميين، معزولين عن الواقع منغمسين في ذواتنا متواصلين مع آخرين قسمهم من البشرية أنهم أحفاد أناس عاشوا بإنسانيتهم المجردة واقعا حفظته المعتقدات والفنون والتأريخ والجغرافيا، أما اليوم فالبشر مجرد إضافات لعالم رقمي أصبح يسيطر عليهم ويعيد تشكيلهم وفق قوانين الزمن المتسارعة والمادة المقيتة التي تعتبر الإنسان مجرد رقم قد يجمع أو يطرح في سوق المضاربات المعلوماتية أو يقسم أو يضرب في عالم يعيد تقديمه كمخلوق جديد تشكله الأرقام والمعلومات وتعيد صياغته في سابقة تنقله من درجة المتبوع ليصبح التابع في كل شيء.
** **
- علي المطوع