في نهاية كل عام تصلني رسائل من بعض الأصدقاء للمشاركة في تحقيق عن حصاد عام مضى، أهم الأحداث وأهم الأخبار، وأعتقد أن هذا أمر جيد بالذات في تذكر مثلا عددا من الراحلين الذين غادروا الحياة الدنيا، أو بعض الأحداث التي كان لها التأثير الكبير في المشهد الثقافي.
ولكن من ضمن هذه التحقيقات السؤال عن أهم كتاب، أو أفضل كتاب، تمت قراءته في السنة السابقة، لدي وجهة نظر خاصة حول القراءة، أعتقد أن القراءة تمثل ممارسة حياتية طبيعية مثل التنفس والأكل والشرب، وأشعر بأن من لا يقرأ مثل من حُرم من نعمة الأكل، فالإنسان الطبيعي هو القارئ دائماً، حتى بين كثير من الكادحين الذين قد لا يجدون وقتاً للقراءة، فبفضل التقنيات الحديثة دخلوا عالم القراء، مع الاتفاق بأن الأمية بدأت تحسر بشكل كبير.
الجميع يقرأ ولو كانت القراءة آية كريمة أو حديث شريف أو معلومة مختصرة مرسلة عبر الواتسآب، إذا الجميع يقرأ، ولكن الاختلاف هو العلاقة بالكتاب، فهنالك من علاقته وطيدة بالكتاب وهذه الطبقة المتعلمة المثقفة، أما من ليس له علاقة بالكتاب فهم البقية وهم للأسف الأكثرية، التي آمل أن تنحسر وتقل، عندها يعرف الجميع بأن الكتاب مهم فيبحثون عنه ويصلوا إليه ورقياً أو إلكترونياً.
أما الفئة المتعلمة أو المثقفة فمن المفترض ألا تنساق وراء مغريات التقنية الحديثة وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعية فتكتفي بالمعلومة التي تقرأها بتغريدة أو مشاركة في الفيس بوك، دون العودة للكتاب، لأن الكتاب هو الأصل ورقياً كان أو إلكترونياً، وبكل تأكيد أن قراءة الكتاب الورقي بالذات الأعمال الإبداعية أكثر متعة. أعود للكتاب الأفضل والأهم، ليس هناك مطلقاً كتاب «دنيوي» أهم أو أفضل، القضية نسبية، فما هو أفضل عندك غير مهم عند غيرك، وما هو مؤثر في حياة بعض الناس قد لا يكون مؤثراً عند البعض الآخر، تبقى العلاقة الخاصة بين الكتاب والقارئ، هذه العلاقة تبدأ عندما يتعرف القارئ على الكتاب، من خلال خبر منشور أو يكون معروضاً في مكتبة أو جناح دار عرض في معرض الكتاب، مئات أو آلاف الكتب تستعرض نفسها أمام محب القراءة كل كتاب يعرض مميزاته التي قد تغري ذلك القارئ لشراء الكتاب أو استعارته، ويكون الحوار بينهما (القارئ والكتاب) الذي لا يعرفه إلا من يعشق القراءة، عندها تبدأ الخطوة الأولى التي تنتهي بعد زمن يقرره القارئ، فبعض الكتب تهبه المتعة والمعلومة، وبعضها تكون مستعصية وتحتاج إلى صبر، وبعض الكتب تكون منفرة، فيتركها القارئ بعد قراءة الصفحات الأولى ليندم على إهدار الوقت والمال على ما هو غير مفيد أو ممتع، فيتم التخلص منه، وهذا فعل شبه يومي لكل محب للقراءة، قد تكون هنالك كتب رائعة وممتعة ومفيدة، ولكن لا تصل إلى الأفضل والأهم، بل تكون محفزة للقارئ للبحث عن ما يتجاوزها فيزداد النهم على القراءة، وفي العصور الماضية كان الأوائل يشدون الرحال للبحث عن المعرفة، وتكون متعتهم عند الوصول إلى دور الكتب الكبيرة، فينسخون ما يريدون الاحتفاظ به من كتب أو يشترونها أو يرابطون في تلك الدور حتى ينتهوا من قراءة ما يهمهم منها، الآن الكتب تصلنا ونحن لم نغادر أماكننا، لذا فكل مكتبات العالم تحت أيدينا فكيف نبحث عن ما هو أفضل أو أهم بين ملايين الكتب.
** **
- عبدالعزيز الصقعبي