ياسر صالح البهيجان
كل شيء تكنولوجي أخذ يتسارع في تطوره وذكائه إلى درجة تجعل الإنسان عاجزًا عن فهمه وقاصرًا عن إدراكه بعقله، أي أن الذكاء التكنولوجي بدأ أخيرًا في تجاوز قدرات عقل شريحة واسعة من البشر، ودخل في مرحلة الذكاء المتطور الذي يهدّد بالتمرد على صانعه، وينبئ أيضًا بخطورة المستقبل على الجنس البشري إن تفاقمت الأزمة وظل يلهث خلف التكنولوجيا ليستوعبها بدلاً من أن تستوعبه.
استمرار التمرد التكنولوجي يعني أنه سيستعبد الإنسان الحديث، ويجعل حياته أكثر تعقيداً بدلاً من تيسيرها كما كان الأمر عندما اخترع الإنسان النظم التكنولوجية الجديدة، وقد حذَّر مؤلف الخيال العلمي «فيرنور فينج» مما أسماه بالتفرد التكنولوجي القادم، الذي سيؤسس لعصر جديد قد يضع المسمار الأخير في نعش الحضارة الإنسانية، وذلك عندما تطور التكنولوجيا نفسها بطريقة ذاتية دون تدخل بشري حتى تصل إلى مرحلة يستعصي على الإنسان فهمها والتعايش معها.
وتوقع «فينج» انفجار الذكاء التكنولوجي في عام 2030، وقال إن نمط حياة الإنسان لن تصبح كما اعتاد عليها قبل ذلك التاريخ، كل شيء سيتبدل. وكانت دراسات علمية متعددة تشير إلى أن الحواسيب العامة تضاعف قدراتها كل 18 شهرًا، وقدرات تخزين المعلومات عبر الأجهزة التكولوجية تتضاعف هي الأخرى كل 40 شهرًا، وهو ما جعل العالم كورزويل يؤكد بأن الحاسوب مقبل على حقبة تاريخية يتجاوز فيها قوة الدماغ البشري.
وثمة علماء شككوا في إمكانية أن تتخطى التكنولوجيا قدرات العقل البشري بحجة إنها كانت ولا تزال تحت سيطرة الإنسان ومن صنعه، وأكدوا أن أي تطور تكنولوجي هائل في المستقبل سيظل بمقدور الفرد التعايش معه؛ لأن الدماغ الإنساني ليس مستغلاً بكامل طاقته، وأن الطاقة الكامنة ستتحرك إن وجدت نفسها مضطرة لذلك.
الإنسان الحديث سيواجه لا محالة مأزق تطور الذكاء الاصطناعي، وسيجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يعمل على تطوير قدرات عقله الحالية لتصل إلى أضعاف ما هي عليه الآن، ليتمكن من التعايش مع التحولات المستقبلية المنتظرة، أو يتجه نحو كبح جماح التطور التكنولوجي الهائل وعندها قد يخسر إمكانات هائلة من شأن الآلة بذكائها الخارق أن توفرها له.