علي الخزيم
أسرعت فئة من البسطاء ليلة أول أيام تطبيق القيمة المضافة وركضوا نحو المخابز والبقالات ومحطات التزود بوقود السيارات، ويقال إن فئة من هؤلاء (المدرعمين) لم يكتفوا بالوقود والخبز بل زودوا مخازن منازلهم بأكياس الرز والدقيق، والتونة وزيوت الطبخ وخلافها؛ وكل ذلك خوفاً من فارق السعر عند التطبيق، وهذا خوف بغير مكانه إذ إن الفارق البسيط غير مزعج للكثير من الشرائح الاجتماعية، وربما فئة أقل جداً قد تشعر بذلك لكن حساب المواطن كفيل بإذن الله بتعويض الفارق، غير أن الأهم هو وعي المواطن وضبط سلوكه التَّسَوقي الشرائي وترك ما لا يلزم والإيمان بأن الرفاهية قد تتم بأقل التكاليف وبأبسط المعايير.
تصحيح أسعار بعض الخدمات وتعديلها حسب الظروف وما ترتئيه الجهات المسؤولة المختصة هو إجراء يحدث بكل الدول، وما على المواطن الناضج سوى التكيف مع المتغيرات والقناعة بأن مسارات الأمور تتعدل لاحقاً حسب معطيات الأحوال.
ومن الرياضة المريحة تعويد وترويض النفس والمشاعر على البساطة والمتعة المختصرة غير المكلفة، شاهدوا العائلات والأفراد من جاليات وافدة لبلادنا يرتادون الحدائق والمتنزهات يجعلون الطعام أثناء التنزه في آخر قائمة المهام، بينما بعضنا يجعله بأول القائمة فيشغله عن الرحلة والنزهة ويثقله بأعباءٍ ما كان يجب أن تتم على حساب الاستمتاع بمعطيات التنزه والاستجمام، كما أنه من المهم للأسرة البعد عن التقليد فالله سبحانه يوزع نعمه وكرمه على عباده، والنعمة ليست بالمال فقط فلعلك تنعم بصحة يتمناها بعض أرباب الأموال، وقس على ذلك أمورًا كثيرة، فلا تندفع خلف صور ومقاطع رفاهية الأثاث والملابس والأطعمة، واعلم أنه ليس بالضرورة أن نكون جميعاً بمستوى متماثل بكل شيء، روِّض نفسك وعودها على القناعة والرضا بما تحوزه من رزق وأن تجاهد على تطبيق نظام التوفير الأسري، وهو أمر سهل جداً ثبتت جدواه؛ وذلك بالتنازل والاستغناء عن بعض الكماليات التي لا تضيف لك ولأسرتك المزيد من المتعة والتميُّز، وتجاوز بعض عادات التوجه للمطاعم والمقاهي، فما في المنزل أطيب وأرخص ثمناً، ثم ضع ما كان يفترض دفعه من نقود كثمن لكل ذلك في صندوق التوفير، واحسب بعد ذلك كم وفَّرت شهرياً، وتكون قد حفظت نقودك ولم ينقص من كرامتك ووزنك الاجتماعي أي شيء!
واعلم -رحمك الله- أن كل ما يجري بالكون إنما هو بقضاء الله وحكمته وما من أحد يستطيع أن ينقص من رزقك المقدر؛ قال سبحانه: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (32) سورة الزخرف.
قرأت مؤخرا تغريدة لأحد المشايخ الفضلاء نصها: (غلاء السعر ورخصه لا يُغَيّر رزقاً قد كتبه الله لك وأنت في بطن أمك، ولو كان الرزق في الأرض لهلك الناس، ولكنه في السماء: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) ـ الذاريات 22، فتأمل وثق بالخالق، ثم ولاة الأمر.