أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: مما لا مجال للاختلاف فيه: أن الأرض العربية، والأرض الإسلامية؛ مما يحمل اسم الهويتين اليوم بعد سفر الخروج، وما هو باسم العرب والمسلمين قبل سفر الخروج: كل ذلك كان منحة من الله بما أنعم به من نعمة الإسلام، وليس إرثاً عربياً باسم العروبة مجردة من نعمة الإسلام؛ وبهذا وجد في العصر الحديث سؤال لحوح يطرح نفسه تلقائياً؛ وهو: (لماذا كان تاريخ الأمتين العربية والإسلامية: أخطر تاريخيهما، وأشدهما حساسية؛ وذلك منذ عصور الدويلات خلال العهد العباسي، إلى عهود ضعف الدولة العثمانية، إلى هذا العهد غير المبارك؛ وهو عهد الثورات باسم الماركسية، ثم الاشتراكية غير الماركسية المحضة، ثم البعثية.. إلخ.. إلخ؛ وخلال هذه التغيرات غير المباركة: كان التغلب على كراسي الحكم في الأمتين باسم الثورات المذكورة آنفاً (أي الماركسية، والقومية العربية المحضة.. إلخ)؛ وهي بسبب عنفها، وكثرتها: أنجزت (وبئس ما أنجزت من الظلم، والدماء، والفقر، وإذلال الزنزانة، ومخاوف التغريب والتشريد)، ولم تحقق للأمتين ما تحققه مواجهة عسكرية مع عدوٍ مشترك.. وأفضل هذه المتغيرات لدى جمهور الأمة العربية على وجه الخصوص: وجد الحماس الأعمى للقومية العربية مجردة من شرطها الإسلامي مع أنه لم يكن للعرب في جاهليتهم دولة تحميهم من ظلم الأمم.. هكذا كانت عقيدة هؤلاء القوميين العرب، وجمهورهم ليسوا عرباً إلا إن كانوا كما قال أبو نواس: (عربي عربي من خشب!!)؛ وبهذا غاب عن وعي العربي أصالة، وعن وعي العربي بالشرط الإسلامي: أن كل متغيرات القومية العربية المذكورة آنفاً: محال أن تكون تجربة صحيحة، لأنها ضارة غير نافعة؛ ولهذا تمزقت الأمتان في غثاء مبادئ أيديولوجيةٍ، أو اختلاق دينٍ صوريٍ يفصل بين الدين الإسلامي وبين الدولة والحياة العامة، ويكون دين الأفراد العاضين على دينهم بالنواجذ: خياراً فردياً وحسب بمدلولة القاعدة الخاسئة: (الدين لله والوطن للجميع!!).
قال أبو عبدالرحمن: إذن الرقعتان إرث إسلامي وليستا إرثاً عربياً مجرداً من الشرط الإسلامي؛ وقدوة الأمتين بداية المجد العربي الإسلامي بعبدالله ورسوله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم؛ وهو أصرح العرب نسباً، وأشرفها عروبة؛ لم تلده مناكح الجاهلية، وقد نهى عن دعاية الجاهلية، وقال: (دعوها فإنها منتنة)؛ وبهذا التوجيه الكريم تألق عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود رحمهم الله تعالى عندما أقام الدولة في بلاده السعودية، واتجه إلى معاناته التمزق العربي: فاتخذ نواة جامعةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ تجسدت فيما بعد في رابطة العالم الإسلامي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقوم على إدارتها على مدى العصور من يخاف الله ويرجو ثوابه.. إن الملك عبدالعزيز كان قومياً عربياً؛ ولكن بالشرط الإسلامي؛ ولهذا جعل (العربية) من فقرات اسم المملكة السعودية.
قال أبو عبدالرحمن: وأضيف ههنا مفرداتٍ من خطب الملك عبدالعزيز أمام حجاج بيت الله الحرام مثل: ((الحمد لله الذي حفظ لنا ديننا وعروبتنا وقوميتنا.. وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمة المسلمين ولو على يد عبدٍ حبشيٍ.. أنا عربي وأحب عز قومي، والتأليف بينهم، وتوحيد كلمتهم.. إلخ)).. ثم قال ((أما أنني أدعي الرئاسة على الناس، أو أطالب بها: فهذه ليست صحيحة.. على أن مقامي ليس دون ذلك، وليس هنالك من هو أسمى مني نسباً إلا بيت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد أعزهم الله بقرابتهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولكن هناك شرط يشترط على ذلك؛ فإن آل الرسول[صلى الله عليه وسلم] يتقدمون الناس إذا نفذوا الشريعة الإسلامية؛ ففضلهم يتأتى عن هذا الطريق؛ فإذا انحرفوا عنها لا يبقى لهم فضل على غيرهم)).
قال أبو عبدالرحمن: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأئمة من قريش): تفسيره من ناحية الخبر خاص بعصورٍ معينة، ومن ناحية الأمر عام لكل من انعقدت له البيعة وإن لم يكن قرشياً، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لولي الأمر المسلم ولو كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة.. ولو كانت الخلافة لآل البيت لجعل البيعة لعمه العباس أو لابن عمه علي بن أبي طالب، أو لابني بنته فاطمة الزهراء الحسن أو الحسين حسب الأجدر لا الأكبر رضي الله عنهم جميعاً، ثم قال عبدالعزيز رحمه الله تعالى: ((أنا عربي، ومن خيار الأسر العربية، ولست متطفلاً على الرئاسة والملك؛ فإن آبائي وأجدادي معروفون منذ القدم بالرئاسة والملك، ولست ممن يتكلون على سواعد الغير في النهوض والقيام؛ وإنما اتكئ على الله، ثم على سواعدنا يتكئ الآخرون ويستندون.. أنا لا أفتش ولا أسعى للرئاسة، ولا أريد علواً في الأرض؛ وإنما يهمني في الدرجة القصوى جعل كلمة الله هي العليا، ولا يهمني في هذا الشأن ما يعترضني في الطريق من المصاعب والمتاعب))، وإلى لقاءٍ في السبت القادم إن شاء الله تعالى مع بقية معاناة الملك عبدالعزيز رحمه الله وتعالى، والله المستعان.