سلمان بن محمد العُمري
هذه العبارة شاع استخدامها منذ عقدين ونصف تقريباً ومع دخول أجهزة الجوال بالخدمة في بلادنا، ومع التطور التقني في الجوالات أصبحت مع مفردات وجمل من الكلمات الشائعة والدارجة والمألوفة من الجميع، و(على الصامت) وضع اختياري يجعله صاحب الهاتف المحمول حينما يريد الراحة (وقليل هم) ولا يرغب في الإزعاج، أو لأمور أخرى قد تصل لمرحلة حظر المزعجين أو من يتم التهرب منهم.
وكما أشرت فقليل من يجعل هاتفه على الصامت أو يغلقه لفترة زمنية فقد أصبح الشغل الشاغل لكل الناس صغيرهم وكبيرهم بل إن الكثير ينامون والهاتف المحمول في أحضانهم ويفيقون من النوم فيتلمسونه ويتفقدون ماوصلهم من الرسائل لحظة انقطاعهم عنه، وآخرون يراسلون ويستقبلون و(يدردشون) ويتفرجون على المقاطع حتى وهم يقودون السيارات، والغالبية العظمى في المجالس ينشغلون بها دونما اهتمام بمن حولهم من أم و أب، وأهل و بنين، وحتى على وجبات الطعام، والبعض في العمل لا يأبه بمراجعين أو معاملات تتطلب الإنجاز.
لقد فقدنا لذة الحياة مع هذه التقنية فقربت لنا البعيد وبعدت لنا القريب للأسف ولانحس بما فقدناه سوى عندما تتعطّل الأجهزة أو يتوقف (الإنترنت)، ومن جرب لذة توقف الإنترنت لديه اختياراً أو إجباراً لمدة من الزمن سيرى أن ما فاته من ملذات الحياة ونعيمها وجمالها أكبر مما قضاه مع مواقع التواصل، هذا في حالة كونها جادة وليست من التوافه والغثاء وما أكثرها وللأسف في رسائل المجموعات أو الأفراد أو في وسائط التواصل الأخرى.
تجربة إجبارية غير اختيارية رواها لي أخي عبدالمجيد وعايشها مع أكثر من ثلاثين رجلاً من زملائه وأصحابه ولمدة تزيد على الست ساعات بدون تواصل عبروا عنها في نهاية اجتماعهم بالسعادة الغامرة، في حين أنهم قد كانوا متذمرين في الساعات الأولى من الانقطاع، فقد دعاهم زميل لهم في مزرعة قريبة من الرياض وبين جبال ينقطع فيها الاتصال فقضوا الست ساعات الأولى بالحديث والاستماع والإصغاء وتبادل الأخبار والأحاديث والفوائد والمعلومات، والذكريات لم ينقطع فيها أحدهم عن المجموعة وكانوا في ساعاتهم هذه وكأنهم على قلب رجل واحد.
لم يكن الانطباع في الساعات الأخيرة وبعد الاجتماع كما يروي لي أخي أبا جواد وفق ما كانوا عليه عند بدء الاجتماع والانقطاع عن العالم، ولكن حينما وجدوا ما حرموا منه مدة طويلة بسبب الجوال تمنوا لو أن ماحدث لهم من انقطاع قسري يكون يومياً لإراحة أبصارهم وأذهانهم ويلتفتون لمن حولهم ويستعيدون ما فقدوه منذ زمن.
كانت الساعة الأخيرة من جلستهم قد تحول الحديث فيها إلى ما سرقة الجوال منهم من مشاعر ومن عادات طيبة وهوايات جميلة وجعلهم وكأنهم في عزلة عمن حولهم حتى وأن سميت مواقع التواصل بهذا الاسم، استعادوا تذكر مافاتهم من عبادات عملية كالسنن والأذكار قراءة القرآن، ومن منافع دنيوية وعادات جميلة ذهبت أدراج الرياح مع التقنية الحديثة.
والآن أيها الأحبة هل ننتظر التوقف القسري للاتصال حتى نتذكر ما فاتنا ونندم على ما ضيعنا من أوقاتنا، أظن أننا بحاجة بأن نجعل التوقف الجزئي الاختياري برغبتنا وإرادتنا ونوقف أجهزتنا مدة كافية تستحق أن نلتفت فيها لأنفسنا وصحتنا ولأهلنا ومن حولنا و لمصالحنا الدينية والدنيوية فمتى نفيق و متى نصحو؟.