فيصل خالد الخديدي
محاطون بالألوان ويعيشون بها ولها.. علاقتهم بها ليست علاقة إنسان بدهان، وإنما علاقة بوح بروح.. تفضي أروحهم بكل مكنوناتها من خلالها، وتعبر بصمت في حوار العين للعين والإحساس للحساس بلغة مفهومة، لا تردها أسوار ولا حواجز ما دام هناك ضوء وبصر وبصيرة، ولا تحتاج لترجمان ولا معاجم، وإنما حساسية عالية ومشاعر متقدة.. فالفنانون الصادقون مع فنهم وألوانهم يتأثرون باللون، ويؤثرون في اللون، فيصدرون ألوانهم من خلال أعمالهم محمَّلة بالإحساس والرسائل الوجدانية والكثير من بوح أرواحهم حتى في غياب الموضوع والقصدية؛ فحديث اللون حديث روح وبوح إحساس، وهم في أحاديثهم اللونية درجات وأشكال لا تتطابق في المخرجات، لكنها تتشابه في حالة التعاطي مع اللون وإحساسه..
فنان ينسج ألوانه قطعًا من ضوء وجدائل من نور؛ فتغدو أعماله ألوانًا من نور مشرقة مبهجة، سواء كانت ألوانه متباينة أو متوافقة، تدخل البهجة والسرور، وتشي بحالة الفنان وابتهاجه، ويعيش الفنان في صباحات أعماله بهجة من روحه، تضيء باللون فوق إضاءاته، وتشعل قناديل السهر في مساءاته؛ لتكون أعماله نابضة بالجمال، ومشرقة بالتفاؤل الذي يعيشه الفنان.
ألوانه مبعثرة ومشتتة، وتحمل كثيرًا من الطاقة السلبية، ومسحة من حزن؛ لأنه باختصار حساس، ولا يجيد ترويض ألوانه ليصدرها كيفما يشاء هو، بل هي من استدرجت إحساسه ليفرغ طاقته السلبية على وجه عمله المخضب بكثير من الطاقة المنفرة والإحساس المبعثر.
آخر يعيش الشتات حالة والحزن إحساسًا، لكنه يجيد التعامل مع المواقف، ويخرج اللون من صمته، ويحرره من عبودية الإحساس السوداوي والنظرة المرهقة؛ فيجعل منه حالة مشرقة وإحساسًا متقدًا وتناغمًا لا يشبهه أحد؛ فهو إحساس فنان حقيقي، جعل من الألم أملاً في أعماله، وأضاء أركان ألوانه حتى وإن كانت روحه بالألم نازفة، ويبرز تراقص علاقات ألوانه ونضارة سطوعها، ويخفي منها إحساسه بالوجع؛ لأنه عاشق للون، ومفتون بنضارة وكنه ألوانه، وأن لا تبدو مرهقة أو ملوثة؛ لأن ألوانه حياته المشتهاة، ودنياه التي صنعها بإحساسه الذي يرغب.
هي حالات اللون مع الفنانين، وربما تكون حالات الفنان مع الألوان متى ما كان صادقًا مع فنه، وفيًّا لألوانه، معايشًا لها وبها ومن أجلها.