علي الصراف
لا يملك نظام الولي السفيه ما يقدمه، ولا يملك الإيرانيون ما يخسروه في مقاومتهم له. هذه هي خلاصة الحال في إيران. ولئن كانت هذه الخلاصة تعد بالمزيد من المواجهات، فإنها تضع الجميع على أعتاب النهاية.
أوضاع إيران الاقتصادية بلغت حد الانهيار. والأمر لا علاقة له بعقوبات الخارج، وإنما بسوء تدبير الإمكانيات والموارد الداخلية للبلاد. فالعقوبات عملت عمل الملح على الجرح، فزادته حدة، إلا أن الجرح نفسه كان متقيحا إلى حد بعيد.
الفساد الذي يعم معظم إدارات البلاد، جعل كل نشاط اقتصادي مجرد دورة في الفراغ. والفساد، بطبيعته، لا يبني ولا يمكن البناء عليه.
لا تتوفر لسلطة الولي السفيه موارد كافية لتنشيط عجلة الاقتصاد، ولا يمكنها توفير ضمانات للاستثمار الداخلي. وعندما تسيطر مليشيات النظام على نحو 60% من الأصول الاقتصادية في البلاد، (من منشآت ومصانع وموارد وغيرها)، فإن عائد هذه الأصول يذهب حصرا لتمويل مشاريع «تصدير الثورة» في الخارج.
النظرية العامة التي تسيطر على «عقلية» سفهاء السلطة تقول: إنه لكي يمكن الدفاع عن «الثورة» في الداخل، فإنه يجب حمايتها في الخارج.
من السهل معرفة مدى سخف هذا الافتراض وسطحيته. فالخارج الذي تحول إلى بالوعة استنزاف متواصل، كان يجب أن يستند إلى «رافعة» اقتصادية متينة في الداخل. ولكنه إذ انبنى على اهتراء داخلي متواصل، فإن مشروع «تصدير الثورة» (أو حمايتها من الخارج) تحوّل إلى «ثقب أسود» يكاد يبتلع كل شيء الآن.
معدلات البطالة ضخمة جدا. ومستويات الفقر مريعة جدا. والاستثمارات الخارجية محدودة جدا، بل تقترب من العدم. وأي دعم (من الاحتياطات النقدية الباقية) لمشاريع التوظيف أو الاستثمار الداخلي سوف تدفع بباقي الإمكانيات إلى الهاوية. فالبالوعة ضخمة إلى درجة أنها يمكن أن تمتص كل تلك الاحتياطات في غضون أسابيع من دون أن تقدم نتائج يشعر بفوائدها «المستضعفون» الذين يثورون على النظام اليوم.
ماذا يملك الولي السفيه لمواجهة هذا الواقع؟
إنه يملك القوة فقط. وأمامه أحد خيارين: إما أن ينهار النظام برمته (إذا سمح بأول علامة من علامات الضعف)، أو أن يواجه المحتجين بالحديد والنار.
لقد قضى النظام على انتفاضة 2009 بالحديد والنار. وكانت تلك انتفاضة سلمية تماما. بل أن بعض قادتها ولدوا من رحم النظام نفسه. ولكن الولي السفيه حاربهم بقسوةِ جلادٍ شرس، وأذاقهم العلقم. ثم اكتفى بمشاعر الزهو على شعبه، وواصل مشروعه التوسعي في الخارج.
لم يفهم من تلك الانتفاضة أي درس. ولا أدرك حجم الإحباط، ولا مشاعر الضيق التي تنتاب عشرات الملايين في البلاد.
انتفاضة اليوم يخوضها «مستضعفون» لا يملكون شيئا، ولا ينتظرون شيئا، ولا يصدقون شيئا. ولقد بلغ سيلهم الزبى من كل أطراف البلاد من قبل أن يصل السيل إلى طهران.
الإمبراطوريات تنهار من أطرافها. وعندما تندلع الانتفاضات في نحو 50 بلدة ومدينة كبرى على مختلف الأطراف، فالأمر سوف يؤدي إلى تشتيت حقيقي لماكينة القمع، وإلى عجزها بالتالي عن السيطرة على التداعيات.
أعمال القتل التي يمارسها جلاوزة النظام، إنما تتم مواجهتها من قبل المستضعفين والمحرومين بمحاولات السيطرة على مراكز أمنه وشرطته، ليس دفاعا عن النفس فقط، بل وللقول: إن القوة يمكن أن تُرد بالقوة.
لا يملك هذا النظام إلا أن يخوض في حمامات من دم الإيرانيين. سوف يحاول أن يجعلها سوريا أخرى، لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي يعرفه. ولكنه سوف يسقط في غضون أيام إذا ما فعل ذلك. طهران سوف تنقلب كلها على رأسه. وهو لا يملك أقلية تحميه. كل الأقليات في إيران تقف ضده، بمن فيهم الفرس.
وهو سوف يسقط إذا لم يفعل ذلك أيضا، لأن الفقر والفساد والبطالة والتضخم والنهب والقمع والإحباط بلغ أقصاه.