عماد المديفر
جميع المؤشرات تدل على إمكانية تحقيق ذلك، شريطة أن يتم دعم هذا الحراك، وهذه الثورة الشعبية، والتعامل معها بنزاهةٍ ومسؤوليةٍ من قبل المجتمع الدولي، بشكل حقيقي، جادٍ وفعّال، لنجدة الشعب الإيراني أولاً، ودعمه في الحصول على أدنى حقوقه الإنسانية الطبيعية والمشروعة، وتخليصه من براثن النظام الرجعي الدكتاتوري الظالم، الذي ظل ضاغطاً على أنفاسه، وقامعاً لحرياته منذ العام 1979م حتى اليوم، ومن ثم تخليص المنطقة، والعالم بأسره، من الداعم الرئيس، والمغذي الأكبر، للإرهاب، ولزعزعة الأمن والسلم والاستقرار.
لا أن يتم التعامل مع هذه الانتفاضة المُحقة، وهذه التضحيات الشعبية العظيمة كما حدث في السابق إبان «الثورة الخضراء»، من تخاذل دولي، قادته إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي اليساري السابق «باراك أوباما»، والتي لم تُحرك ساكناً - على غير عادتها مع الثورات العربية وثورات أوروبا الشرقية - وظلّت متواطئةً في صمت مطبق منذ اندلاع الاحتجاجات في يوليو 2009م وحتى شهر ديسمبر، حيث صدر أول تصريح لها على استحياء، وجاء باهتاً، ضعيفاً، بعد ستة أشهر بالتمام والكمال من استمرار المظاهرات، وتصاعد وتيرة القمع والقتل في حق المتظاهرين المدنيين السلميين العزل، ولم يتوقف الأمر عند إدارة أوباما على الصمت المطبق فحسب، بل تجاوز ذلك إلى توجيه أجهزة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إي) بقطع الاتصالات مع أي داعم أو مؤيد للثورة الخضراء، والتشديد بعدم تزويد المتظاهرين بأي أجهزة اتصالات أو تقديم دعم عبر شبكة الإنترنت وأدوات التواصل الاجتماعي بعكس ما لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من خطة طوارئ كان قد اعتمدها «أوباما» نفسه في وقت سابق، لدعم ومساندة «الثورات الديمقراطية في العالم» من خلال تزويد المنشقين والثوار «بأجهزة اتصالات وأموال، وأحياناً أسلحة إن استدعى الأمر» بحسب ما كشفه جاي سولومان مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال».
ولم تكتفِ تلك الإدارة المنافقة، ذات الوجهين، سيئة الصيت، عرابة الاتفاق النووي الإيراني، والتي مدّت أيادي الوصل مع تنظيمات الإسلام السياسي الراديكالية، بذلك، بل سعت لإنقاذ نظام ولاية الفقيه من الانهيار، بأن أخرجته من عنق زجاجة العقوبات الدولية، والأزمة الاقتصادية التي كادت أن تعصف به في حينه، تحت غطاء إتمام صفقة الاتفاق النووي، والتي لم ينتج عنها في الواقع سوى أن اُعتبرت ذريعة لإطلاق يد نظام عمائم الشر والظلام في طهران للاستمرار في دعم وإنعاش الإرهاب في المنطقة والعالم، وهو ما بدا واضحاً من خلال تكتم إدارة أوباما على ما وجدته من وثائق ومستندات في وكر الإرهابي الإخواني الهالك أسامة بن لادن في أبوت أباد تثبت التورط المباشر للنظام الإيراني ولحزب الله في دعم تنظيم القاعدة، تماماً كما تسترت على شبكة حزب الله الدولية لتهريب المخدرات والاتجار بها، وغسيلها الأموال، وأحبطت عملية «كاسندرا» الأمنية لمكافحة المخدرات، والتي كادت أن تطيح بعناصر من حزب الله، وتوقف عنه دعماً مالياً هائلاً، عدا عن أن إدارة أوباما ذاتها أهملت ما كشفته المحكمة الفيدرالية في نيويورك من تورط مباشر للنظام الإيراني وحزب الله في الاعتداءات الإرهابية التي ضربت برجي مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر، ووجهت لهم المحكمة إدانة كاملة، جنباً إلى جنب مع تنظيم القاعدة. وغيرها الكثير من المواقف «الأوبامية الديمقراطية» التي تدعو إلى الريبة!
أما اليوم، فالأوضاع مختلفة تماماً عما كانت عليه إبان «الثورة الخضراء» صيف عام 2009م، لا من حيث الأوضاع الدولية والإقليمية، ولا من حيث الداخل الإيراني، وطبيعة الثورة ذاتها، والقائمين عليها..
ففي حين كانت شرارة الثورة الخضراء قد اندلعت احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية العاشرة، والتمديد لأحمدي نجاد في ولاية ثانية، رفع فيها المتظاهرون، إذ ذاك، لافتة «أين صوتي؟!»، في إشارة إلى اتهامهم للسلطات بتزوير الانتخابات، وإبعاد ما يسمى «التيار الإصلاحي» لصالح «التيار المحافظ» ممثلاً بنجاد خلال تلك المرحلة، وكان يقودها ما يسمى «رموز التيار الإصلاحي» كمهدي كروبي ومير حسين موسوي؛ جاءت هذه الثورة، وهذه المظاهرات، عفوية، تُسيّرها الطبقة الكادحة، والتي تمثل ما قد يزيد عن الـ 70 في المئة من أبناء الشعب الإيراني.
هذه الثورة الشعبية الخالصة، هي بلا قيادة محددة.. اندلعت على نطاق واسع في المدن والمحافظات الإيرانية بعد أن ذاق الشعب الإيراني الأمرَّين من النظام الحاكم، ولم يعد لديه ما يخسره، واكتشف أن لا فرق بين ما يسمى «الإصلاحيين» و»المحافظين»، حيث خَبَروا «الإصلاحيين» جيداً من خلال رئاسة «روحاني» وفريقه. لقد عرفوا اللعبة، وأن «الإصلاحيين» لا يختلفون في الواقع عن «المحافظين»، لا من حيث العقيدة الراديكالية، ولا السياسة الخارجية، ولا القمع الداخلي.. وان الفريقين مجرد بيادق ودُمىً، تتبادل الأدوار، بهدف التمويه.. وأن خيوط اللعبة كلها في يد «الولي الفقيه».. المرشد الأعلى للنظام الديكتاتوري الرجعي. وأنه هو ذاته، وطبيعة نظام حكم الملالي برمته، وأهدافه الخرافية الرجعية المريضة، ودستور الخميني؛ هم بكليتهم مصدر الشر، ومنبع الأذى.. لذلك رفع المتظاهرون الإيرانيون ولأول مرة، شعار: «الموت لخامنئي».. وهي صرخة فاصلة دون شك، تعني الانعتاق من أتون كذبة «نائب الإمام الغائب». إنه تطور جذري، وتغير كبير.
يقول لي المحلل السياسي «هشمت علوي» وهو ناشط إيراني بارز، له كتابات مهمة حول علاقة نظام الملالي بالإرهاب العالمي: «الثورة الحالية تكتسب زخماً مختلفاً عن سابقاتها، المتظاهرون انتصروا على مخاوفهم. ستنجح هذه الثورة، لأن من يقودها هم ذوو الياقات الزرقاء في المجتمع - طبقة العمال والكادحين - فليس لديهم ما يخسرونه. هم لا يمتلكون عملاً، ولا طعاماً كافياً ولا نقوداً أمام ارتفاع الأسعار والتضخم، وهم يَرَوْن النظام وهو يستخدم عائدات النفط والغاز لنفقاته الخارجية»، في إشارة إلى دعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية في لبنان وسوريا واليمن والعراق، كحزب الله والحوثيين وحماس وغيرها، يضيف «هشمت»: الشعب يعبر عن معارضته لتدخل النظام الإيراني في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وخاصة في سوريا.. مردداً «الموت لخامنئي».
ويرى «علوي» أن الطريقة الأنجع لدعم الشعب الإيراني هي في أن يقوم المجتمع الدولي بـ «خفض كل الموارد المالية للنظام في الخارج»، ولاسيما أن «الحرس الثوري يعتمد في جميع أنشطته على تلك العوائد»، مشدداً على أن النظام سيتعرض للشلل والعجز التام عن قمع الشعب ودعم الإرهاب إذا ما تم قطع تدفقات الأموال عليه من الخارج، أو تقليصها لأكبر قدر ممكن.
إلى اللقاء.