انشغلنا عن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى , وسط صمت عربي غير مبرر ومع قيام الفلسطينيين بفعاليات جمعة الغضب، احتجاجًا على المحاولات الإسرائيلية لتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى، من خلال نصب البوابات الإلكترونية لتفتيش المصلين لدى دخولهم للمسجد، في سابقة خطيرة تشكّل مسًا بحرية العبادة لدى المسلمين، بالإضافة إلى غلقه أمام المصلين خلال صلاة الجمعة الماضية لأول مرة منذ 1969.
رغم مرور ما يقارب من قرنٍ على وقوع المسجد الأقصى في قلب خطرٍ وجودي يهدده، ورغم مكانته الإسلامية العابرة لحدود العالم، إلا أن فشلاً خطيراً وقع في فهم طبيعته وتعريفه كمكان مقدَّس، وفي فهم الخطر المحدق به بالتالي، ولا عجب، فهذا ليس إلا تجلٍّ لفشل أكثر وضوحاً في الحفاظ على المسجد تحت سيادةٍ عربية إسلامية وحمايته من الوقوع في يد الاحتلال الخارجي.
فإن الاستهداف الاسرائيلي للأقصى انطلق مع الحفريات الصهيونية التي حاولت العبث بأساسات المسجد المقدس، وكذا مع محاولات الكنيست استصدار قانون التنظيم المكاني لأوقات الصلاة في الاقصى.
لقد خصّ الصّهاينة المسجد الأقصى باهتمام بالغ وأولوه مكانة مركزيّة في استراتيجيّتهم العدوانيّة طيلة عقود من الزّمن، وذلك تنفيذا لمخطّطات وبروتوكولات ما يعرف بحكماء بني صهيون التي تشدّد على ضرورة هدم الأقصى ونسفه لتشييد هيكل سليمان المزعوم مكانه.
ولهذا الغرض تحديدا، دأبت الحكومات الصهيونيّة المتعاقبة على فرض إجراءات رقابيّة مشدّدة خصوصا في محيط الأقصى كما كانت تحدّد الفئات والشّرائح وأعمار المصلّين فيه.
هدْمُ الأقصى وإقامةُ هيكل سليمان المزعوم عقيدة صهيونية ونصرانية بروتستانتية في إحدى تفسيراتها التي تسمى (النصرانية الصهيونية)، وهي تقوم على خرافة معينة ترى أن إقامة (إسرائيل الكبرى!) وهدم المسجد الأقصى، وإقامة هيكل سليمان المزعوم هو مقدمة ضرورية لظهور السيد المسيح عليه السلام ليبدأ ما يسمى لديهم بـ(الألفية السعيدة)؛ فيخوض معركة (هرمجدون) ضد الأشرار، ويقضي على المسلمين واليهود (نعم! اليهود أيضاً)؛ ومن ثم فإن دعم إقامة ما يسمى بـ(إسرائيل) والتمكين لها هو جزء من إرادة الرب لدى هؤلاء. وقد استفادت الدولة الصهيونية كثيراً من تلك الأسطورة الخرافية.
التخطيط لهدم المسجد الأقصى ليس وليد هذه اللّحظة؛ بل هو عمليّة قديمة جديدة تتكرّر وسوف تتكرّر؛ لأنّها جزءٌ لا يتجزّأ من العقيدة الصّهيونيّة، وهي عقيدة لا تخصّ اليهود الصّهاينة وحدهم؛ بل تخصّ قطاعاً كبيراً من المسيحيّة البروتستانتية (النصرانية الصّهيونيّة)؛ ذلك أنّ تلك العقيدة المزعومة يؤمن أتباعها أنّ من شروط عودة المسيح ووقوع معركة (هرمجدون) للقضاء على الأشرار (المسلمين تحديداً، واليهود أيضاً)، وبداية ما يسمّى الألفية السعيدة.