د. حمزة السالم
لا تكن مثاليا بل كن واقعيا إذا اردت نجاح الاقتصاد. علم الاقتصاد اليوم قائم على أن كل فرد أو منظمة تعمل لصالحها ولو بهلاك الموارد، والشاذ نادر ولا يستمر، لذا قامت النظريات الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي، لتنظيم هذه الفطرة، في تفضيل النفس نفسها على الغير، بقوانين وأدوات لا تتعارض معها بل تحفزها على الإغراق في الاجتهاد لصالحها. فان حقق كل فرد مصلحته، تحقق التنافس وحصل الاستغلال الأمثل، وبذلك ينجح السوق كله وتتوزع الموارد حيث تُستغل الاستغلال الأمثل.
ولا يُفسد الاقتصاد ويُعمي المخطط إلا إذا داخلته مثاليات تتناقض مع الفطرة، في حب الذات. فقد قامت الذات في أصل سر وجودها واستمراريتها على حب البقاء .فمثلا: لا ألوم البنوك على التحايل ضمن النظام بل أشجعه. لأن هذا، من المفترض، أن يدفع مؤسسة النقد أن تتحرك لتشريع تنظيمات وقوانين تسد الفجوة. فتلجأ البنوك لطرق أخرى للاحتيال، فتواجهها المؤسسة، وهكذا، تحتال البنوك لصالحها ، فتخرج تشريعات تنظيمية، وبهذا تتطور العلوم البنكية والقانونية والمالية، وتظهر الإبداعات.
لكن المشكلة أن عندنا خمولا وكسلا وجهلا في الجهات الرقابية بشكل عام. وما أدركوا معنى الحكومة. فإنما مُنحت سلطة الدولة مقابل حمايتها للمجتمع.
وأذكر أني سمعت أحدهم إذا خُدع المواطن قالوا يستاهل، لم لم يقرأ العقد! ومن ذا يستطيع فهم العقد إلا المتخصص جدا. ولم إذا تمارس الجهة الرقابية السلطة على الناس فتمنع هذا وتسمح لذلك، إن كانت لا تشرع ما يمنع خداع المواطن. ومثال آخر: هو الأسهم، فترى الخاسر يهاجم من ربح بالسوق. عجيب! أو لم يكن الخسران يريد أكل الآخر، فلما خسر، نادى بالمثالية. إذا.
انما الخطأ هو في الجهة الرقابية.
مثال آخر: الحجة القانونية لسماح البيتكوين، رغم كونها تحايل، أنها تفتح بابا للفكر(والحقيقة: تركوها لأنها وسيلة تتبع الإرهاب والإجرام)
الناس اليوم تستغرب التوجه السريع في تطبيق الإصلاحات على المواطن. (الإصلاحات نوعين:?. إصلاحات سلبية يعني المانعة الآخذة، تهدف لمنع الهدر والإسراف.?. وإصلاحات إيجابية وهي المانحة الموفرة تهدف لخلق مناخ إنتاجي). وأقول لا عجب، لأن القطاع الخاص هو من استلم مهمة تنفيذ الإصلاحات.
والقطاع الخاص عندنا تحفزه ثلاث عوامل، تجعله أكثر توحشا أكثر من القطاع الخاص في دول العالم المتقدمة.
الأول : الاعتماد الكلي السابق على الدولة. افقد المجتمع روح المسؤولية العامة، فانعدمت هذه الروح من ثقافة المجتمع ، فأوغل القطاع الخاص في الأنانية، فهو الأسوأ عالميا. ثانيا: أنه يدفع عن نفسه، تطبيق هذه الإصلاحات السلبية، فيجتهد بتحقيق إنجازاته للإصلاحات السلبية ضد المواطن ثالثا:. القطاع الخاص عندنا لا يتمتع بالمهنية، إنما قام على الغفلة النفطية التي جعلته قطاعا خاصا. فجهلهم جهل مركب،فهم لم يحرصوا على مواصلة اكتساب المهارات والتطوير العلمي المهني، ومع ذلك ينتسبون لمهارة القطاع الخاص في العالم المتقدم الذي خلق نفسه بتنافس عنيف، لم يجتزه إلا الأفضل بعد أن تعلم دروسا لا تقدر بثمن. وثم قمنا نحن وأخذنا حصاد هذا الخليط الثلاثي المسموم، فصببناه على الإدارات الحكومية.
القطاع الخاص وحش لا يرحم، ولولا ديمقراطية الدول الغربية وحرية الصحافة، لقاد القطاع الخاص تلك الدول للدمار والحروب الداخلية. فكيف إذا أضفنا لذلك تخلف المعرفة والتجربة لدينا مع فقدان المقدرة على التفكير المنطقي. فمتى نفيق من خطر تقليدنا الغرب الديمقراطي المتقدم، في أسلوبه التنموي هذا؟
الواقعية ومسايرة الفطرة وفهم نظام الكون لتنظيمه للسوق ثم مسايرته لا معاكسته هو مفتاح النجاح في كل شيء، وهو أمثل وسيلة لاستغلال الموارد وتحقيق الرضا الاجتماعي الممكن، لا الإفلاطوني.