محمد المهنا أبا الخيل
من أبجديات المواطنة هو الولاء للدولة والشعور بأن الدولة حق مشاع لكل المواطنين، ومن أبجديات السياسة هو أن الدولة تحمي مواطنيها في أمنهم وعيشهم وكسبهم وتضع العدل ميزاناً لتعاملاتهم مع الدولة وبين بعضهم، والعدل لا يكون في القضاء فقط، فذلك هو حسم الخلاف، ولكن العدل الأوجب يكون في إرساء قواعد التعامل بحيث لا ينشأ خلاف إلا في حدود ضيقة، لذا يأتي وضع المقاييس والمواصفات وتحديد المقاييس والموازين كأحد أهم عناصر إقامة العدل، وقد جعل الله القسط بالميزان باب العدالة الربانية «ونضع الموازين القسط ليوم القيامة» وجعل ذلك من القربات لله تعالى حيث ذكر قول شعيب لأهل مدين {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، فشأن العدل بوضع المقاييس والأوزان عظيم عند الله سبحانه وهو من تمظهرات الحكم الرشيد.
الدولة السعودية أعزها الله أدركت أهمية وضع معايير الموازين والمقاييس في وقت مبكر من تأسيسها فأصدرت قرارات ملكية في اعتماد (الوحدات المترية) للأطوال و(الوحدات الجرامية) للأوزان و(الوحدات اللترية) للسوائل، ومنذ ذلك الحين والدولة في سعي لوضع المعايير التي من شأنها حسم نشوء الخلاف في التعاملات التجارية، لذا أوجدت في عام (1393) هـ بقرار ملكي (الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة)، وذلك لوضع المواصفات القياسية لكل ما يستحق أن يضبط بمعايير تضمن عدالة المعاملات وتحقق الاستفادة المثلى منها، ومنذ ذلك الحين وهذه الهيئة تصدر مواصفات جديدة وتعدل مواصفات قديمة وترخص بضائع وتصدر شهادات مطابقة، ولها والعاملين بها جهد منظور ومشهود ومشكور, ومع ذلك يستجد كل يوم في حياتنا ما يستدعي تدخل هذه الهيئة بصورة حاسمة للخلاف حول معايير التوصيف والقياس والجودة، وهو أمر يستدعي الوعي واليقظة المستدامة.
منذ أشهر قامت شركة المياه الوطنية بتغيير عدادات المياه القديمة بعدادات مياه إلكترونية جديدة، كان يفترض بها أن تكون دقيقة وحاسمة للخلاف حول كثير من الشكاوى التي يثبت فيها خلل في القياس نتيجة خلل في بعض العدادت القديمة، وكان يفترض بهذه العدادات أن تكون عادلة، وتخفض تكاليف قراءة العدادات السابقة، ولكن تفاجأ كثير من المواطنين وأنا واحد منهم بأن أول فاتورة مياه بعد تركيب تلك العدادات قفزت بنسبة تزيد على (300%)، وتنامى للأسماع اقاويل بان هذه العدادات صممت لنظام توزيع مياه يعتمد استدامة ضغط الماء في شبكة التوزيع، في حين أن نظام توزيع المياه لدينا يعتمد على التخصيص المتقطع لشبكة المياه العامة، حيث تكون الشبكة أحياناً خالية من ضغط الماء، وعندما تمتلئ الشبكة بالماء من جديد فهي تدفع بالهواء نحو تلك العدادات التي تحتسبه كمياه، لذا تحصل شركة المياه الوطنية على قياس غير عادل وتتقاضى أموال قيمة الهواء المضغوط.
قد يكون هذا الكلام صحيحاً وقد يكون غيره، ولا حاسم في ذلك إلا الفصل بين الشركة الوطنية للمياه والمواطن المستهلك من قبل طرف ثالث يمثل عدالة مقبولة ومعتمدة من الدولة، وذلك هو مكان (الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة)، فهل حصلت الشركة الوطنية للمياه على مصادقة تلك الهيئة عند استيراد تلك العدادات؟ وهل اختبرت الهيئة تلك العدادات في مختبرات تضمن شهادتها بعدالة تلك العدادات؟، إذا لم يحدث أي من ذلك، فنحن كمواطنين في مظنة ظلم وتعدٍّ، وقد يرقى إلى مرتبة التدليس إذا ثبت أن شركة المياه الوطنية قد علمت بعدم عدالة عداداتها في قياس الاستهلاك الصحيح للمياه، وتمادت في تركيب المزيد من تلك العدادات لمنازل جديدة.
الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس أيضاً مطالبة في حسم الخلاف حول ما يشاع أن بعض مضخات البنزين تختلف قراءاتها بين الضخ البطيء والضخ السريع، وتصل الفروق في تلك القراءات إلى نسب تصل إلى (25%)، هذا الأمر أصبح اليوم في غاية الحساسية والأهمية مع تطبيق رفع أسعار المياه والوقود والكهرباء وما يترتب على ذلك من زيادة تكلفة معيشة الناس، لذا يجب على تلك الهيئة المبادرة في الإفصاح عن عدالة تلك العدادات وكذلك عدادات الكهرباء وعدم فسح أي من تلك العدادات للاستخدام دون مصادقة مختبرة في مختبرات جودة وقياس مستقلة وذات مصداقية، وعدم الاعتماد على تصريح تلك الجهات فقط، فالمواطن اليوم بحاجة لأن يطمئن بأن العدالة في جانبه في كل شأن من شؤون حياته.