هاني سالم مسهور
كما كانت مسببات (الربيع العربي) في شتاء عام 2011م ها هي تهب على إيران وتعصف بالنظام الحاكم موجات من غضب شعبي اجتاح عدة مُدن إيرانية في غرب وشمال البلاد التي خرجت جموع المتظاهرين فيها بعد أن ضاقت أحوال الناس وازدادت معاناتهم جراء الضائقة الاقتصادية المتفاقمة بعد أن وصلت معدلات البطالة إلى 15 في المائة وهي نسبة غير مسبوقة، ووصل ما نسبته 70 في المائة من الإيرانيين إلى تحت خط الفقر، كما أن إيران تعاني من أزمة نقص في المياه على إثر تراجع هطول الأمطار بنسبة 9 في المائة مما أدى إلى نقص حاد في احتياطات المياه إلى 1300 متر مكعب، وهو ما أفقد الناتج القومي الإيراني 40 في المائة من محصول القمح.
الأزمة الاقتصادية الحادة في إيران هي المحفز الشعبي الذي كسر خلال الأيام الماضية حاجز الصمت مع تعهدات شعبية باعتماد يوم الجمعة كأيام تظاهرات لتصعيد الخطابات الشعبوية في مواجهة النظام، الذي يجد نفسه في موقف صعب نتيجة سياسات أهدرت موارد إيران خاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية من يوليو 2015م وتوقيع طهران على الاتفاق النووي فلقد استبشر الإيرانيون بإفراج المجموعة الدولية عن أكثر من 150 مليار دولار سيساعد الشعب للخروج من أزماته الاقتصادية.
خلال العامين الماضيين ضخ النظام الإيراني الأموال الكبيرة في برنامج تطوير الصواريخ البالستية، كما أنه موّل عمليات تجنيد هي الأكثر في العقدين الأخيرة استهدفت تثبيت الوجود الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وعرفت عملية التجنيد استقطاب مجاميع كبيرة من أفغانستان وباكستان التي يتم تدريبها على العمليات القتالية ثم يتم إرسالها لمناطق النزاع العربية، الهدف بالنسبة للنظام في إيران هو الانتقال من مرحلة النفوذ السياسي والعسكري في العالم العربي إلى إقامة دول وكيانات إيرانية خالصة من عروبتها وتكون امتدادًا كاملاً للدولة الإيرانية الإسلامية.
يحدث ذلك التحول المباشر في اليمن على وجه الخصوص، الحوثيون اغتالوا الرئيس السابق علي عبدالله صالح واندفعوا إلى تثبيت شكل يوازي نظام ولاية الفقيه في إيران، الانسلاخ من النظام الجمهوري والتلبس من نظام ولاية الفقيه الإيراني، ما يحدث في اليمن (قد) يكون مقدمة لما سيحدث في سوريا لاحقًا، مرحلة ميلاد أنماط جديدة من دول لا تكون فقط ذات نفوذ إيراني بل ذات إطار وشكل ومضمون إيراني.
هذا التحول جعل من النظام الإيراني يقدم مزيدًا من الدعم المالي إضافة إلى أن برنامج تطوير الصواريخ البالستية تم زيادة الإنفاق عليه في عام 2017م بنحو الضعفين عمّا كان مقررًا له من قبل وذلك بسبب الخطاب الأمريكي المتصاعد ضد هذا البرنامج، كما أن الموقف الفرنسي الحاد هو واحد من مسببات الاستعجال الإيراني في برامج التطوير الجارية بتسارع ملحوظ خشية من مواجهة عسكرية مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة مما يدفع بالإيرانيين إلى ضخ ملايين الدولارات في هذا البرنامج كما أن تسليح الحرس الثوري تضاعف أربع مرات بعد رفع العقوبات في 2015م.
ومع ذلك فإن من الملاحظ في مظاهرات مدينة مشهد وغيرها مسألتين مهمتين الأولى أن المظاهرات التي خرجت رفعت شعارات سياسية واضحة، فلقد جاهر بشعار (الموت للديكتاتور) وكذلك (الموت لروحاني) كما أن إحراق صورة المرشد الأعلى آية الله خامنئي تُعد واحدة من أكثر التطورات اللافتة في هذه المظاهرات الشعبية، كما أنه من الملاحظ التعامل الحذر من السلطات الأمنية مع المجاميع المتظاهرة بالرغم من أن المتابع للتعامل الأمني عادة ما يكون أكثر عُنفًا وبطشًا، كما يحدث مع الأحوازيين أو الأكراد وكذلك الأرمن، وهذا يعود لخشية النظام من انضمام مجاميع شعبية أكبر تزيد من صعوبة التعامل مع الحشود الجماهيرية الغاضبة.
إن المفهوم الأعمق الذي يستحق من النظام الإيراني استدراكه أن سياساته التوسعية وتدخلاته في الشؤون العربية ترتد عليه بشكل يهدد الاستقرار في بلد كبير كإيران قادر على توفير الحياة الكريمة لتسعين مليون إنسان هم تعداد إيران من السكان، كان يمكن للنظام الإيراني التفوق في الصناعات المدنية بدلاً من هذا التسارع نحو الصناعات العسكرية، دفع الإيرانيين فاتورة باهظة منذ عام 1979م وعادت بلادهم إلى واحدة من أكثر بلاد العالم التي تتفشى فيها الأميّة والمخدرات والدعارة والفقر، بل وصل بفقراء العاصمة طهران أن يسكنوا في المقابر بعد أن ضاقت بهم الحياة حتى مساكن الصفيح لم يعودوا قادرين على الحصول عليها، كل هذا هو نتيجة يحصدها النظام الإيراني الذي يعيش هوس الإمبراطورية الفارسية ويحاول العودة بالتاريخ إلى مجاهيل انتهت ولم يعد من المقبول العودة إليها إلا في رؤوس يعشعش فيها الخراب والدمار وأفكار الشيطان.