أمل بنت فهد
أتدري لماذا تبدي رأيك؟ أتدري لماذا تعصر حصيلتك اللغوية لتعبر عن رأيك؟ أتدري لماذا تهرب منك الفكرة أحياناً حين تبدأ بتحويلها من داخلك إلى الخارج؟ أتدري لماذا يبقى رأيك عالقاً في حنجرتك وتفضل الاختناق صمتاً على أن تتحدث!
لأنك حقيقة لا تدري لماذا تبديه، أو أن تقوم بذلك لسبب هش سرعان ما يغرق بك مع أول محاولة لجعله هدفاً.
إن كنت تبدي رأيك ليكون مسموعاً، أو لتحدث فرقاً فورياً، أو تبديه حتى تنفي عنك تهمة الجبن، أو حتى لا تظهر بمظهر الغبي، أو الجاهل، فإنك ستهزم حتى قبل أن تتم كلماتك، لأنه ليس هذا غاية التعبير عن الرأي، بل غايته وجوهره متصلة بك، وإذا فقدت هذه الصلة فإنه دون جدوى، مجرد ثرثرة.
حين تعبر عن رأيك فإنك مثل فاعل الخير، والفرق أنك تفعل خيراً لنفسك، قبل الآخرين، تبدأ بنفسك وهو أعظم خير يمكن أن تمارسه، فأنت حين تقول رأيك فإنك تُشفى من لعنة الكبت، تصبح رشيقاً ومتحرراً من قيود يعرفها الصامت ويقفل على جوفه كل مرة يحجم فيها عن البوح، بقفل إضافي، وهكذا فإن داخله ثقيل وسحيق، أنت حين تعبر عن رأيك فإنك تقول ما تفكر به، تقول ما تشعر به، تعبر عن رفضك، عن قبولك، عن غضبك، عن رضاك، دون أن تهتم إن كان حولك من ينصت، أو يأخذك على محمل الجد أو الهزل، سيان عندك، فأنت تعيش البوح من أجلك قبل أن يكون من أجل الآخرين، لن يهمك ما يحدث بعد أن تتحدث، حتى وإن سمعت خلفك صوت حطام، لن تلتفت، وضعت ما عندك، وأكملت مسيرك، رميت بذورك ولا يهمك مصيرها، عاشت أم ماتت، كبرت أم صغرت، ضاعت ولم يبق لها صدى، أو حفرت لها في جوف أحدهم خندقاً.
أنت تقول لأنك تريد أن تتحدث، أن تعبر، لأن لعنة الصمت لا تشملك، ولست معنياً بها، وبالمناسبة حين يذكرون الصراحة، فإنها مجرد تجميل للوقاحة، ومحاولة للشتم بطريقة مهذبة، إذ ما فائدة أن تكون صريحاً، أو مجاملاً، المهم أن يكون حديثك ذكياً، لتأخذ ما تريد أخذه، وليس لمجرد مراعاة الآخر، أو محاولة لأن تكون مؤدباً، لأن الأدب لا شأن له بالصراحة أو المجاملة.
لذا قل رأيك وإن كان الجميع مقتنعاً برأيه، حتى وإن شعرت باللا جدوى، تحدث لأنك تفرغ هذا المد الهائل في داخلك من أفكار.