محمد بن عبدالله آل شملان
إنَّ إعلان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في اللقاء السنوي الذي استضافته الهيئة في قصر الثقافة بالرياض مؤخراً، بالبدء ببناء شراكة فاعلة، وإطلاق مبادرات إعلامية حكومية بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام، بهدف استشراف العالم للمنتوج السياحي والتراثي في وطننا الكبير (المملكة العربية السعودية)، وتعزيز جاهزيته للاستثمار في هذا القطاع الحيوي والهام الذي يعد أحد ركائز الاقتصاد الوطني، ليؤكد أنّ صناعة التأثير وانطلاقها من أرضية الإعلام السياحي والتراثي هي العنوان الأمثل الذي يمكنه التفوق في صناعة السياحة وأن يكون عنصراً أكثر فاعلية في ذلك، لأن الإعلام السياحي والتراثي عنصر هام من عناصر التنمية السياحية الشاملة، والتنمية بعمومها هي القضية التي تضعها القيادة الرشيدة في ركيزة اهتماماتها ومقدمة أولوياتها.
وفي تقديري أنها الرسالة الأبرز، التي يجب أن نتأمل فيها طويلاً كأبناء هذا الوطن الكريم، بأن نجعل ساحة الإعلام هي عنوان مسيرة وطننا ومرشده الملهم لمسيرة أجياله وبناء مستقبله، كما أنها تحمل في الوقت نفسه السوانح والفرص المتعددة الثمينة التي يجب أن نقتنصها وألا تتسرب من بين أيدينا كما الماء من بين فروج الأصابع كما يقول بيت الشعر العربي الشهير؟ ويجب أن نكون بها مدركين وفاعلين، انعكاساً لصورة الوطن الباهية، وإنجازاته المتقدمة، ومكنوناته السياحية والتراثية الهائلة. خاصة في هذا العصر الذي أصبح فيه الإعلام صناعة مؤثرة في اقتصاديات الدول.
إن مروراً يشكّل غيضاً من فيض فكر صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز ورؤيته للمستقبل تنير لنا ملامح كثيرة، هذه الرؤية التي تنطلق من فهم الواقع واستيعابه ومعرفة علله، والشاهد ما يقوله سموه: «منظومة المشاريع السياحية والتراثية والمتحفيّة التي تتبناها الهيئة ستزيد من التدفقات السياحية وحجم الاستثمار السياحي»؛ ليؤكد أن سياسة «الإعلام السياحي والتراثي» هو المبدأ الذي يجب الاتفاق عليه، فبدونه سيظل قطاعنا السياحي والتراثي في حالة من الانغلاق لا الانفتاح، والتشتّت لا التوحّد، والسلبية لا الإيجابية، والصراع لا التكامل، وكلها عوامل لا تبني سياحة، ولا تروّج لتراث وحضارة، وقيادتنا الراشدة في ذلك متّسقة ومنسجمة مع حركتها على أرضية الواقع، لذا كان قوله: «الدولة الآن ركزت على الاستثمار في القطاع السياحي، ونحن نعمل مع صندوق الاستثمارات العامة لاستعجال تأسيس شركة الاستثمار والتنمية السياحية، وهيئة السياحة والتراث الوطني تعمل حاليًا على أكثر من 32 متحفاً وتستقطب عشرات إن لم يكن مئات من الإخوة والأخوات الذين سينقلون المتاحف من مخازن آثار إلى أماكن متعة وفرح وتعلم، لم يسبق أن رأيناها في المملكة من قبل، ونتكلم أيضا عن الوجهات السياحية التي نتطلع إلى الإعلان قريباً عنها في شرق المملكة وغربها، كما يحدث الآن مدينة سوق عكاظ التي موّلتها الدولة بأكثر من 680 مليون ريال وأعلنّا عنها العام الماضي، كما أن هناك منظومة الفعاليات التي بدأتها الهيئة وشركائها وتجاوزت 600 فعالية، وأصبح هناك قطاع ناضج ومنظمو فعاليات مرخصون، كما أن قطاع المعارض تطور بشكل كبير عبر برنامج المعارض والمؤتمرات، وستصبح المملكة أكبر دولة في المنطقة جاذبة للمعارض والمؤتمرات» ليؤكد أن ما تعتقده قيادة هذا الوطن فيما يخدم الوطن والمواطنين وينهض بوطننا في شتى الميادين يصبح واقعاً على الأرض، يلمس الجميع آثاره.
كما أن تأكيد سموه على أن الهيئة أسّست منصة كاملة لصناعة اقتصادية جديدة، بعد أن اشتغلت بمراحل مهمة للتأسيس لم تكن واضحة لدى المواطنين، وتعلّم سموه في مدرسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، الذي كان يؤكد دائماً عليه التأسيس الذي لا يراه الناس، وإشارة سموه بأثر العمل مستنداً إلى منطق التاريخ في التطور وذلك بتمكن الهيئة من إتمام جميع متطلبات بنائها النظامي، ومرت بمراحل طويلة من التحديات، وأنها بنت قطاعاً اقتصادياً وأسست بنيته النظامية والتشريعية، وأطلقت المشاريع والمبادرات والقرارات المتعلقة به، ومن يتأمّل هذا المنطق فقد امتلك أهم القواعد التي أنتجها التاريخ المتعاقب، ألا وهي أن المنجزات تنحاز وتتقاطر دوماً إلى مصلحة الذي يكدح ويعمل.
وسموّه في هذا لم يكتف بالتفسير الدقيق للحالة وفقط، غير أنه أوضح آيات على الطريق نحو المستقبل بتحقيق الإنجازات والوصول إلى المكانة المستحقة واللائقة، مؤكداً أن أهم درس من دروس كتابه (الخيال الممكن) هو كيف تركز على المهمة الوطنية وتؤمن بها وتحاول قدر ما تستطيع ولا تيأس في أنك تجعلها تتحقق.
كما أن المستقبل، الذي يعنيه سمو الأمير سلطان بن سلمان، هي نظرة أوسع وأرحب يشيع بظلالها قطاعنا السياحي والتراثي، عبر إطلاق مشروع بالتضامن مع وزارة الثقافة والإعلام عبارة عن منصة للإنتاج الإعلامي تستهدف تحفيز المبدعين من أبناء الوطن لتعظيم المحتوى الإيجابي وإثراء الأفلام والبرامج عن التراث الوطني والتنوع السياحي وأسلوب الحياة المميز في المملكة القائم على الأصالة والتنوع في المناطق بالثقافات مع الالتزام بالثوابت والقيم، وإطلاق قناة تلفزيونية بشراكة كاملة مع وزارة الثقافة والإعلام وهيئة الإذاعة والتلفزيون وعدة شركاء آخرين لبث هذا المحتوى باسم «عيش السعودية» وتوفير المحتوى على منصات المشاهدة حسب الطلب وحسابات التواصل الاجتماعي الواسعة الانتشار».
وهنا يؤكد سموه على العاملين في الهيئة والمساندين لها وشركائها من المؤسسات الحكومية والأهلية أن يعملوا سوياً للارتقاء بهذه الصناعة الاقتصادية المهمة، فالسياحة والتراث سحر وقوة، والإنسان هو الذي يصنع نجاحها ومستقبلها.
ثم يضع أمام كل راغب للوصول إلى الأهداف الكبرى سبل الوصول قائلاً: «المواطن الآن يريد السياحة في وطنه ويريد أن يكون وطنه هو الخيار الأول، وأنا أكرر ما قلته قبل عشر سنوات بأن المملكة العربية السعودية سوف تصبح الخيار الأول للمواطن سياحياً، وهذا يجب أن يحسب عليّ وأحاسب عليه في المستقبل».
وفي اعتقادي أن ذلك هو الذي يجعل جذوة الدافعية الداخلية متّقدة، لأن آفة أصحاب الإنجاز والتغيير والعمل والنجاح هي الركون إلى ما تم تقديمه قانعين ومكتفين به يكررونه يوماً بعد يوم، غير أن سموه ـ يحفظه الله ـ يفتح باب محاسبته.
وهذا يعني أن التقييم في هيئة السياحة والتراث الوطني سيكون على أساس المنجزات، ونتائج مرحلة العمل المؤسسي الاحترافي الدقيق الذي اخطّته الهيئة بمخرجاتها الرقمية وفضاءاتها الاستثمارية أو اتخاذ القرارات عبر مجلس إدارة يعمل وفق أهداف ذات خيال وواقع ممكن. وعندي أن المقولة الأكثر دلالة على المستقبل في فكر سموه: «نحن الآن ندير منظومة ضخمة من المشاريع ضمن مبادرات الهيئة في برنامج التحول الوطني الذي وجد الهيئة جاهزة بمبادراتها ومشاريعها، وكل ما طلب منها جاهز ومبرمج، وهذا كان بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل الاستثمار في منسوبي الهيئة، والاستثمار في شركائنا الذين اعتبرناهم جزءًا لا يتجزأ من الهيئة، حيث استثمرنا فيهم بالرحلات الدولية والتدريب وبكل ما يحتاج الأمر حتى لا نعمل لوحدنا ونغرد منفردين».
فطوبى لمن اهتمّ وتفاعل، وطوبى لمن رأى وأبصر، وطوبى لمن تأمّل وانطلق، وطوبى لمن انطلق فأبهر وبنى، وطوبى لمن شيّد أبراج مواكبة التطوير والمستجدات في فضاء الإعلام، وطوبى لمن أحب التأثير واستغلال مكامن قوة وطنه.