إبراهيم عبدالله العمار
يثير الكاتب غراهام فولر هذا السؤال في كتابه «عالم بلا إسلام»، الذي يرد فيه على الغربيين الذين يظنون أن العالم كان سيكون أكثر سلاماً لو لم يوجد الإسلام، فوضع الكتاب دارساً مسار الإسلام منذ نشأته ومتخيلاً كيف سيكون العالم اليوم بلا إسلام، ومن النقاط التي وضعها رداً على هؤلاء هو سؤال العنوان: لماذا بقي الإسلام؟
تحديداً، لماذا بقيت تلك الأمم التي دانت بالإسلام بعد الفتوحات متمسكة بالإسلام؟ لماذا لم تنتفض وترتد بعد ضعف الدول الإسلامية التي حكمتها مثل زوال الدولة العباسية على يد التتار؟ سؤال يحتار فيه أولئك الذين يزعمون أن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف وأن الشعوب كانت مكرهة، لكن لم يحدث ذلك، فالفرس لم يرجعوا للمجوسية، والشام لم تتنصّر من جديد.
هنا يبدي الكاتب إعجابه بالإسلام، وخاصة المرونة والصمود فيه ثقافياً، واجتماعياً، ودينياً، وسياسياً، حتى في أضعف الأوضاع. ويشير إلى تماسك المجتمعات الإسلامية منذ القدم إلى اليوم ولو واجهت شتى الظروف مثل الاستعمار الأوروبي والحروب العالمية والحرب الباردة، وهو ما يدل على «صمغ ثقافي» يقي الإسلام من التحديات الخارجية، ويُذكّر الكاتب الغربيين أن عداء المسلمين للغرب له سوابق تاريخية كانت ستجعل الشرق الأوسط مكاناً خصباً لبغض الغرب حتى بدون الإسلام، الغرب الذي ما فتئ يُجرم وينهب ويفسد في المنطقة منذ قرون بعيدة.
نقطة أخرى أبقت الإسلام هي بساطة العقيدة الإسلامية، وهي نقطة أخافت وما زالت تخيف رؤوس النصارى بشدة، فالحقد ليس كرهاً للمجهول أو المختلف، بل غِيرةٌ من الأفضل، فرؤوس النصارى طالما أدركوا تعقيد واستحالة استيعاب عقيدة التثليث وغيرها للعقل العادي، ولما رأوا انشراح صدور الناس لعقيدة التوحيد ووضوحها خشوا على شعوبهم أن يتركوا دينهم ويسلموا.
إن الإسلام لم يقهر الشعوب بقوة السيف وهذا يثبته الواقع، بل إنه دين شديد المرونة، لذلك اندمج بسهولة في حياة الشعوب المختلفة، ولم يشقّ عليهم التوفيق بينه وبين طريقة حياتهم، ولذلك تمسكوا به حتى لما تغيرت الظروف، فلما زالت تلك الدول بقي الإسلام راسخاً محبوباً في النفوس.