فضل بن سعد البوعينين
أذكت أزمات إيران الاقتصادية نار الاحتجاجات الشعبية؛ التي تأخر ظهورها للعلن لأسباب قمعية صرفة. نجح النظام القمعي وحرسه الثوري في تأجيل موعد الاحتجاجات؛ ولم ينجح في منعها؛ فتضخم المشكلات الاقتصادية وتفشي الفساد وإتساع رقعة الفقر وارتفاع نسبة البطالة إضافة إلى الغلاء الفاحش خلق قاعدة رفض شعبية توسعت في الخفاء ثم انفجرت في وجه النظام وحرسه الثوري. لم يعد الشعب الإيراني مهتمًا بالتوسع الخارجي والهيمنة في المنطقة؛ فهمه الأول؛ كما هو هم الشعوب قاطبة؛ الحياة الكريمة وتوفر الخدمات والوضع الاقتصادي العام.
سعى الرئيس الإيراني حسن روحاني؛ مطلع العام 2017 لطمأنة شعبه بأن حكومته ستعمل على حماية استقرار الأسواق، بعد الانخفاض الحاد الذي شهدته قيمة العملة الوطنية ما تسبب في تغذية التضخم وارتفاع الأسعار. ووعدهم بوقف تدهور العملة المحلية أمام العملات الأجنبية؛ وقال (كاذبًا) «اشعر بالتفاؤل إزاء موقف البلاد الاقتصادي». لم ينجح الرئيس في إنجاز وعده؛ فالمشكلات الاقتصادية كانت أكبر من قدرته وقدرة النظام على إخفائها أو معالجتها.
لم يكن مستغربًا انطلاق الاحتجاجات من مدينة «مشهد»؛ ثاني أكبر المدن الإيرانية؛ التي تعرضت لزلزال مدمر وتدهور حاد في اقتصادها لأسباب مرتبطة بتوقف الرحلات الجوية؛ والوفود السياحية التي كانت تزور المدينة على مدار العام. وجه المحتجون انتقاداتهم إلى الحكومة والرئيس روحاني على وجه الخصوص وما لبثت أن تحولت تجاه النظام. انتشرت عدوى الاحتجاجات في المدن الأخرى ومنها طهران؛ واتسعت رقعتها لتصل الأطراف والمدن الفقيرة.
شكل الاقتصاد عنصرًا مهمًا في انتخابات الرئاسة الأخيرة؛ وتسبب في فوز الرئيس روحاني بها؛ غير أنه أصبح من مسببات الثورة ضد الحكومة ومن خلفها النظام. التضييق على الشعب؛ وانتشار الظلم والفساد؛ وارتفاع تكلفة المعيشة والبطالة من مغذيات الثورات عالميا؛ وهي المغذي الرئيس للثورة الإيرانية الحالية التي أعتقد أنها البداية العملية لسقوط النظام.
قد لا يستطيع الشعب الإيراني مواصلة احتجاجاته الحالية دون الدعم الدولي؛ والدعم الإعلامي المفترض فيه الإنحياز للشعب ضد الحكومة الجائرة. قد يجد الحرس الثوري فرصته في غياب الحماية الدولية والتغطيات الإعلامية لينقض على الثائرين بوحشيته المعتادة؛ فيجهز عليهم. يفترض على الحكومات الخليجية المتأذية من النظام الإيراني أن تقتنص الفرصة وأن تدعم الثورة الحالية بشتى الوسائل؛ وأن تطالب دوليًا بتحرير «الأحواز» العربية من التبعية الفارسية. أعتقد أن الدعم الإعلامي الموجه؛ وتجييش وسائل التواصل الإعلامي؛ ونقل الصور والمشاهد والأفلام القصيرة عمّا يحدث في العمق الإيراني وإيصالها القنوات الإعلامية والمنظمات الدولية والمساهمة في نشرها على نطاق واسع؛ سيضمن استمرار الثورة الحالية؛ واستنطاق الصامتين؛ وفضح المتآمرين؛ ونصرة المظلومين وحمايتهم والمنطقة من النظام الصفوي الجائر.