رجاء العتيبي
الثورة التي لها قادة عادة ما تفشل, سواء أثناء تحركها, أو حتى أثناء تمكنها من السيطرة, أما الثورة التي تظهر بلا قادة فعليين محركين, فإنها عادة ما تنجح, لأن منطلقها المجتمعات ذاتها, وعادة ما تتحرك المجتمعات نتيجة شعور جمعي بالظلم والاضطهاد والفقر, هنا تكون الثورة أكثر تركيزا وأقوى أثرا.
هذا بالضبط يعكس المقارنات التي شهدتها ثورة إيران الأخيرة التي بدأها المجتمع الإيراني الخميس الماضي انطلاقا من مدينة مشهد، مقارنة بثورة 2009 التي تمركزت في طهران وحدها دون أن تمتد إلى الأطراف.
والشيء الذي اتفق عليه المحللون أن ثورة 2009 لها قادة (كروبي) مثالا, تقتصر على أهداف انتخابية وحزبية, لم تكن تمثل الشعب الإيراني بقدر ما تمثل الطبقة الوسطى, لهذا كانت عمليات قمعها وإنهائها لم تأخذ وقتا من الحكومة.
أما الثورة الحالية، فتختلف عن سابقتها باعتبارها تسير بضمير شعبي عام وبدأتها المجتمعات الفقيرة التي فقدت أموالها ووظائفها ولم تعد تجد ما تأكله، تكاتفت بها كل الأطياف والأعراق والأديان، هدفها رحيل العمائم، وفي مقدمتهم علي خامنئي وروحاني ومن لف لفهما.
جاءت هذه الثورة التي يقودها المهمشون من أبناء الشعب الإيراني وسط رضا أمريكي ودولي، فالعمائم لم تعد صالحة لهذا الزمن، فقد أكثرت في العالم الفساد، فهي تتكلم بلغة الفتن والقتل والتوسع، وأهلمت شعبها، أخذوا مكانة إلهية، وسرق الولي الفقيه قوت الناس، وبات الراحل الخميني يسكن في أفخم مقبرة وهو ميت، فيما الأحياء من المشردين الإيرانيين يسكنون في مقابر خالية من البشر، وهذا أمر لا يقبله الإيرانيون ولا العالم المتمدن مهما كانت خلافاته.
انتفاضة 70 مدينة إيرانية, جاءت للتخلص من الظلم القابع على المدن لأربعة عقود, من نظام ديكتاتوري لا يعرف سوى لغة البارود, نظام امبراطوري دخل في مواجهات غبية مع جيرانه, ليس لها أول ولا آخر.
الخميني عندما قدم بطائرته الفرنسية إلى إيران, ووطئت قدماه أرض طهران قال: سأعطي لكل مواطن سكن, وسأرفع مستوى معيشته وأنهي البطالة, أيده الشعب حينها لأسباب (اقتصادية) بحتة, فيما هو يعلن خارج إيران أن المؤيدين له كان لأسباب دينية بحتة طمعًا في مكانة إلهية يحصل عليها لاحقًا, وهذا ما حصل بالفعل, فأصبح الموقع باسم الله زورا وبهتانا.
المجتمعات يحركها الاقتصاد أولاً وأخيراً, ولا يتوقع المعممون أن الناس ستدفع للولي الفقيه قوت يومها وتبات جائعة, وإن حصل هذا فإن أجيالا جديدة ستثور على هذا المعمم الكسول الذي يأخذ عرق وجهد ووقت الشعب من أجل أن يعطيه مفتاح الجنة.