د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
جميعنا متفائلون بالرؤية التي طرحها سمو ولي العهد بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين. والجميع مستبشر بالخروج من نطاق الدول النامية، أو الدول المستعصية على النمو، إلى نطاق الدول المتقدمة المستقرة اقتصاديًا وسياسيًا ولا تعتمد في دخلها على مصدر دخلٍ واحدٍ ناضب. واتخذت الدولة مؤخرًا إجراءات فعلية وعملية في هذا السبيل منها قرارات مهمة تتعلق بمحاربة الفساد الذي نخر مقدرات هذه الوطن وتسبب في تعثر كثير من المشاريع أو غيابها كلية، وكذلك خروج كثير من مصادر البلاد المالية إلى خارج البلاد. ولهذه الإجراءات أهمية أخرى لا تقل عن سابقتها تتمثل في ردع كل من تسول له نفسه كائنًا من كان من محاولة المساس بالمال العام بشكل غير شرعي مستقبلاً.
واستنهضت هذه الإصلاحات مشاركة كافة فئات المجتمع السعودي في تحقيق الخلاص الاقتصادي من الاعتماد على النفط بتحسين وضع المرأة وضمان مشاركتها الاجتماعية والاقتصادية الفعالة في تحقيق رؤية الدولة المستقبلية. وهذه الخطوة حسب تقديري لا تقل أهمية عن محاربة الفساد. فالمرأة في مجتمعنا السعودي خطت خطوات مهمة في التعليم والتأهيل تحسدنا عليه دول أخرى. ويكفي أن المرأة في مجتمعنا، على سبيل المثال، تشكل نصف الكفاءات المبتعثة للخارج للدراسة، وأن نسبة من يحملن تأهيلاً تعليميًا عاليًا تقارب نسبة المؤهلين من الذكور. وحققت الكثير من بنات هذا الوطن إنجازات كبيرة على المستوى الدولي والإقليمي وليس المحلي فقط. والنساء أيضًا يشكلن ثلث عضوات مجلس الشورى الذي يعضد الحكومة في مجالات التشريع والرقابة. ولا يمر يوم إلا ونسمع بقرارات جديدة تدعم حقوق المرأة وتفسح لها الطريق في مجال تحقيق مشاركة أكبر في تحقيق رؤيتنا المستقبلية الطموحة.
القرارات الإصلاحية الاقتصادية الأخرى تتمثل في السعي لزيادة إيرادات الدولة وتقليص اعتمادها على النفط مثل رفع الدعوم، وزيادة الرسوم، ومؤخرًا البدء في إقرار نظام ضريبي يبدأ بضريبة القيمة المضافة التي تشكل نسبة 5 % على كافة البضائع والرسوم. وهذه الإجراءات الإصلاحية ستوفر دخلاً إضافيًا كبيرًا لخزينة الدولة تمكنها من الصرف على المشاريع والخدمات وتطويرها في القادم من السنوات.
الإجراءات المذكورة أعلاه وغيرها لا شك ضرورية، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فالمواطن الذي سيشارك في توفير موارد إضافية للدولة لتحقيق رؤيتها، ويتحمل بعض الرسوم الإضافية التي تؤثر بلا شك على دخله المباشر سيكون في حاله من الترقب والتوقع لأوجه الصرف التي ستذهب إليها هذه الأموال التي سيشارك بها لأول مرة في تاريخه الاقتصادي الحديث. وهو يترقب تطوير وتحديث الخدمات المقدمة له في مجالات حيوية تمس حياته وحياة أبنائه بشكل مباشر: سكن، تعليم، صحة، بريد، اتصالات وبنى تحتية لا سيما في حالة خصخصتها. ونحن لدينا تجارب مختلطة فيما يتعلق بالتخصيص في الماضي.
تحقيق الرؤية لا يتطلب زيادة الإنفاق فقط ولكنه يتطلب أيضًا زيادة كفاءة هذا الإنفاق. فليس سرًا أننا كنا ننفق أكثر من غيرنا على كافة الأصعدة لكننا في بعض الأحيان لا نحصل على نتائج تكافئ حجم الإنفاق. الكثير من الهدر، والتساهل، وعدم الجدية، تقلل من الاستفادة من بعض جوانب الإنفاق في اقتصادنا. والأمر هنا لا يقتصر فقط على الفساد فقط ولكن على التقاعس في تحمل المسؤولية، وضعف المساءلة وهي أمراض اجتماعية تسللت لمجتمعنا للأسف لأعوام خلت من الطفرات الاقتصادية والإنفاق غير المقنن. فليس من العيب أن تفشل بعض المشاريع أو ألا تتحقق بعض الخطط التنموية النتائج المتوخاة، والعيب هو غياب تقييم حقيقي لفشل هذه المشاريع، وضعف جوانب مساءلة المسؤولين عنها. ولعل الرؤية تجب ما قبلها وتبدأ بمحاسبة كل حسب مسؤوليته.
كما أنه لا بد من التذكير بأن مرحلة ما بعد الرسوم والضرائب تختلف عما قبلها، والمواطن سيكون متحفزًا لمعرفة كيف ستنعكس هذه الرسوم والضرائب على الخدمات المقدمة له. والحقيقة أنه مقارنة ببعض الدول المجاورة نحتاج لبذل مزيد من الجهد لتحسين بعض الخدمات فلو تحسنت هذه الخدمات بشكل ملحوظ فلن يمانع المواطن بمزيد من المشاركة الضريبية فيما يسهم في تحسين مستوى معيشته. فالنظام الضريبي يوفر على المواطن الكثير من الجهد الفردي فيما لو انعكس بشكل إيجابي جدي على الخدمات المقدمة له؛ فهو عوضًا من أن ينفق عليها بشكل فردي تقوم الدولة بالإنفاق عليها بشكل مؤسسي كلي. والضرائب تعد آلية اقتصادية مهمة لضبط كثير من جوانب الاقتصاد الحديث أيضًا.