كوثر الأربش
ما سأقوله الآن ليس أسطورة، ليست حكاية سقطت من كتب الأساطير والجنيات والأشباح.
الحكاية بدأت منذ قرون بعيدة، عندما بدأ الاستخفاف بالعقول، وامتهان المنطق بترويج الخرافة، حتى ضعفت القدرات العقلية، وأصبح تصديق الوهم ممكنًا. لكن البداية الحقيقية للقصة لم تكن هنا، بل بدأت فعلاً في عهد الخميني، عندما أخذ بتجميع قصاصات الخرافات في حبكة قوية دعمها بالنصوص الضعيفة وسُقط التاريخ. سخّر من أجلها العمائم. (وما أسهل أن تلبس عمامة في تلك الفترة من الزمان). تحت عنوان «علامات الظهور». هنا نشط الخيال الديني، حتى أن أحد المتخصصين في علامات الظهور تلك، قال إن مثلث برمودا، هو المكان الحقيقي الذي يختفي فيه الغائب!.
المهم أن تلك النبوءات التي اعتبرها ملالي إيران حقائق إلهية مؤكدة، وزرعوها في الذاكرة الشعبية كما لو كانت إحدى المُسَلَّمات التي لا تحتمل شكًا، ما هي إلا الخطة الحقيقية لأجندة الخميني للسيطرة على المنطقة. إني هنا لا أروي نكتة إنها الحقيقة. لقد بنى ملالي إيران مستقبلهم في العالم على نبوءة! حسنًا. تقول النبوءة في مختصرها: إن آخر ملوك السعودية هو عبدالله، بعدها يسقط الحكم ويظهر في اليمن رجال صالحون هم أصحاب راية الحق (الحوثي)، وفي العراق تخرج رايات سود يملؤون الأرض قتلاً ودماء وجوعا (داعش). ثم هناك دور للروم والترك، هناك السفياني، والنفس الزكية، ونار في مكة. إن تلك ليست رموزا في فيلم سيد الخواتم «Lord Of The Rings» إنها نبوءات الملالي لنهاية الزمان، حسب تصوراتهم. لن يصدق العالم أن تلك الهرطقات هي ما حركت الحوثي في اليمن وجوعت أطفاله ودمرت بنيته التحتية. هي ذاتها التي أخرجت لنا داعش التي يعتبرونها وهابية من عمق العراق! العراق التي لم تفرق يوما بين شيعي أو سني أو كردي أو عربي إلا بعدما تولاها الإيرانيون. النبوءات تلك هي ما بعثرت أوراق بشار وجعلته لعبة في أيديهم، وهي ذاتها التي يتحرك بها نصر الله ويفتك فيها بلبنان دون محاسبة. وكادت إيران أن تنجح وقت حكومة أوباما، وقتها بدت الأمور بخير، عندما اتفق الملالي مع أمريكا، وبدأوا بتخصيب اليورانيوم. بدى الأفق ورديًا، وخطتهم تحقق نصرًا. فكل شيء يسير حسب الخطة، أعني النبوءة. لكن الأمور ساءت كثيرًا، وشرعت بالتعثر عندما رفّت راياتنا في الحد الجنوبي، واختنق الحوثيون في الجبال كانت تلك أول هزائم النبوءة. ثم لحقتها القفزة الاقتصادية السعودية بتحقيق أعلى ميزانية رغم انخفاض أسعار البترول وإغراق السوق بالنفط الإيراني. ثم رؤية 2030 التي صعدت بالبلاد نحو سعودية جديدة وصلت أصداؤها للعالم. محمد بن سلمان، الأمير الشاب الذي حقق مركز رجل العالم في أكبر تصويت عالمي يعرفه العالم. في هذه الفترة وحسب نبوءة الملالي (كان من المفترض أنه قد بدأت حكومة الأيام، وأن السعودية سقطت فعلاً). لم تكن تلك كل النكسة. بل ما حدث مؤخرًا في قلب «قم» المدينة المقدسة في إيران. نزول الناس في الشوارع، هتافهم بأن المرشد الأعلى، خليفة الخميني، ديكتاتور ولا بد أن يرحل، وأنهم جعلوا من الإسلام سُلمًا ليسرقوا الشعب. مظاهرات الشعب الإيراني دقت آخر مسمار في موت النبوءة. والإيرانيونأنفسهم الذين صدقوا الخميني ودعموه ونذروا لأجله دموعهم وأموالهم وأولادهم، هم أنفسهم من صرخوا في مساء يوم الجمعة الفائت: يجب أن يرحل الملالي! هل تعرف ماذا يعني أن يتظاهر الإيرانيون ضد ملالي الثورة؟ هذا يعني أن الثورة التي اختطفها الملالي من الشعب، فشلت وعادت للشعب. يعني أن دماء الذين شنقهم الخميني بحجة عداء الله ورسوله، ارتفعت لتلتف كحبل مشنقة على أعناق أصحابها. هذا يعني أن الستارة أوشكت أن تغلق على أكبر مسرحية هزلية عرفها التاريخ البشري، مسرحية اسمها «علامات الظهور». وعلى كل صاحب عقل، استعادة عقله، والمضي نحو الحقيقة، نحو الواقع.. نحو مستقبل يصنعه الأحياء وليس الموتى، تصنعه الحقيقة وليست الأوهام.