د. جاسر الحربش
بعد إغلاق ملفات الحملة الحازمة على الفساد، هل سينتهي الخوف المترسب في أعماق المواطن عبر السنين من عودة هذه الظاهرة المدمرة للمجتمعات؟. أعتقد أن أحد المتوجبات على كل صاحب رأي ليس التعبير فقط عن واقع وتطلعات المواطن، ولكن أيضاً التعبير عن مخاوف المواطن المكبوتة عندما تكون مبنية على خبرات مقلقة من فترات سابقة.
من الأولويات في هذا المجال يأتي ما يرغب المواطن في التأكد منه حول الخلاص من الفساد المالي والإداري بدون عودة، بعد أن أصبح هذا المواطن شريكاً في المسؤولية الإنتاجية وكذلك التمويلية لصنع المستقبل.
كانت الفرحة الشعبية شاملة بحملة محاسبة كبار اللصوص وخائني الأمانات، لأنها جاءت بعد عقود طويلة من همس المجالس المتردد عن رموز الفساد الكبار، مغلفاً بالخوف من ذكرهم بالاسم لأنهم كانوا إما في الدولة والحكومة، أو محسوبين عليها جاهاً ووجاهة. ورغم الفرح الكبير والتفاؤل بشفافية مالية وتنموية جديدة، إلا أن الإنسان بطبعه لا يستطيع مسح ذاكرته بسهولة، فتبقى بها ترسبات من الماضي تسهل تغذيتها بالإشاعات.
في الكثير من سرقات الماضي كانت الإشاعات خبزاً يومياً تمضغه الألسن والتحقيق فقط بعد إعلان نتائجه النهائية سوف يتكفل بالفرز بين الحقيقة والإشاعة وتبرئة من تثبت براءته ويستحق أن يعلن ذلك علناً على رؤوس الأشهاد.
لا شك في وجود فرق بين الخوف القديم من الحديث عن نوع الفساد في الماضي وبين القلق الكامن في العقل الجمعي من احتمال بقايا له قد تنبت من جديد. في الماضي عند الحديث الهامس عن الفساد كان الناس يخففون على أنفسهم بالقول إن اللصوص لم يسرقوا مباشرة من جيوب المواطنين الخاصة بل من الأموال العامة، قبل أن يكون هناك لا ضرائب ولا قيماً مضافة على الأسعار. ما يفهمه المواطن الآن بعد قرارات الميزانية الجديدة أنه أصبح طرفاً في التمويل، سواء بما يقتطع من راتبه عند الإنفاق على احتياجاته، أو بما يقتطع من راتبه قبل استلامه عندما يكون مستخدماً في القطاع الخاص كضريبة للدولة على الشركات والمؤسسات الربحية.
من المؤكد أن الحكومة تدرك المفهوم الاقتصادي للضرائب عند المواطن المطبق في مجتمعات تعمل بالنظام الضريبي. الشريك في التمويل الوطني له حق المشاركة في الاطلاع والمتابعة بمبدأ أن الحقوق تتناسب طردياً مع الواجبات.
وصلنا الآن إلى النقطتين المهمتين للمواطن. الأولى هي أن يتم الاستيفاء من الفساد القديم واقتلاع جذوره بالكامل، والثانية ألا تتسلل إلى المشاريع التنموية الجديدة بذور فساد طفيلية جديدة قد تسرق من الدولة ومن المواطن في آن واحد.
من المطمئن أن الرقابة النوعية تغيرت وأن قبضة العدالة اشتدت، لكن العقلية الشعبية المتوجسة تغذت طويلاً على الإشاعات والقيل والقال، ولن تتخلص بين يوم وليلة من كوابيسها القديمة.