د. أحمد الفراج
يتغنى المواطن الأمريكي العادي دومًا بالحرية والعدالة والديمقراطية، وحق له ذلك، فأمريكا تعد من أفضل الأنظمة المؤسساتية، وأقوى بلاد العالم بلا منازع، ولكن هذا المواطن مغيب تمامًا عن الواقع، الذي تفرضه عليه وسائل الإعلام، فالمواطن الأمريكي، وعلى الرغم من سطوة الإعلام الجديد، ما زال يستقي معلوماته من وسائل الإعلام التقليدية، التي لها منصاتها الصخمة على الإعلام الجديد والرقمي، والواقع الذي لا يدركه هذا المواطن هو أنه لا يستطيع ترشيح وانتخاب من يريد، فدون ذلك خرط القتاد، وكل ما يفعله هو أنه يختار واحدًا من الخيارات المطروحة أمامه، وهي خيارات محصورة -غالبًا- بمرشحي حزبين رئيسين، أي الجمهوري والديمقراطي، فلو كنت مثلاً من أنصار حزب العمال الأمريكي، فأنت تدرك أن إمكانية فوز مرشح حزبك بالرئاسة تشبه فرصة فوز شعبان عبدالرحيم برئاسة اليونسكو.
يحدث في كل انتخابات رئاسية أمريكية أن يترشح ساسة من عيار ثقيل، ليس لهم ارتباطات بلوبيات المصالح، ويمثلون أحزابًا من خارج الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولكنهم لا يمكن أن يفوزوا، بالرغم من أن أجنداتهم أمريكية وطنية خالصة، ويسعون فعليًا لخدمة المواطن الأمريكي، ورفع مستوى رفاهيته، وأذكر هنا على سبيل المثال، المرشح الرئاسي من أصل لبناني، رولف نادر، ذا الشعبية الواسعة، الذي ترشح للرئاسة أكثر من مرة، ولم يفز، ولا يمكن أن يفوز، ومثله المرشح والإعلامي البارز، بات بوكانن، الذي قال يومًا: «إن الكابتول هيل، أي مبنى الكونجرس الأمريكي، مستعمرة إسرائيلية!»، فكتب على نفسه النهاية للأبد، وأيضًا مرشح حزب الإصلاح، روس بيروت، الذي ترشح عدة مرات بأجندة وطنية خالصة، ولو انتخب رئيسًا لربما غير وجه أمريكا، ولكنه لم يفز ولن يفوز.
وإن كنت تظن أن عدم فوز مرشح للرئاسة سببه عدم الانتماء للحزبين الجمهوري والديمقراطي فقط، فهذا أمر غير دقيق، إِذ قد ينتمي المرشح لأحد هذين الحزبين، ولكن يحدث أن يصبح خصمًا لأحد لوبيات المصالح الشرسة، مثل أن ينتقد إسرائيل وتغضب منه منظمة ايباك، ما يعني مغادرة هذا المرشح لعالم السياسة الأمريكي للأبد، ولا يمكن أن تمحى من الذاكرة قصص بعض المرشحين لانتخابات الرئاسة أو ما دونها، مثل الترشح لمنصب حاكم ولاية، أو عمدة مدينة مهمة، أو للكونجرس، ثم يتجرأ هذا المرشح وينتقد إسرائيل، فتسلط عليه منظمة ايباك إعلامها، وتكون النتيجة أن تنتهي حياته السياسية، والخلاصة هي أن للديمقراطية اشتراطات تجعلها ديمقراطية «منتقاة»، كما كتبت ذات مرة، ولكنها تظل شكلاً لطيفًا من أشكال الحكم، مقارنة بالديكتاتوريات المتوحشة!.