د.عبدالعزيز الجار الله
الفساد ليست قضية طارئة وللتو حدوثها، تعود لزمن الثمانينيات الميلادية وربما إلى منتصف السبعينيات مع بداية الدورة الاقتصادية الأولى لكن سقفها كان منخفضاً، وعدد جماعة الفساد المالي والإداري أيضاً قلائل، الاستفحال بدأ مع حرب الخليج الأولى عام الثمانيين من القرن الماضي بين العراق وإيران، وزاد في الحرب الثانية عام 1990 - 1991م حرب احتلال العراق للكويت وحرب تحرير الكويت، ثم استمر الفساد المالي لترتفع وتشتد وتيرته من الملايين إلى المليارات وتزيد أعداد وأرقام جماعة الفساد من العشرات إلى المئات، ومن الشخصيات والوزراء النافذين إلى تحول الفساد إلى سلوك وربما إلى منهجية عمل إلا الشرفاء من المسؤولين في الدولة والقطاع الخاص، وهم قلة وفي فترات نادرة بمن تمر الأموال والقرارات بين أيديهم.
كان لابد من حركة تصحيح وإلا فإن الدولة ستغرق في مستنقع من الفساد والوحل لا تستطيع الفكاك منه، وتدخل الدولة في الإفلاس والانهيار المالي والأخلاقي، وتغرق في بحر من الديون ومستقبل سياسي غامض للدولة وللشعب، فهل يتم السكوت من أجل مئات من الفاسدين يستفحلون بالثراء على حساب دولة وشعب، وهل علينا التعاطف أو نظرة الحياد مع مفسدين يروّجون لرذيلة الفساد ويتمنون أن تشيع رذيلة الفساد بيننا ليكونوا هم بيننا أنقياء؟
لا أدري كيف ينظر لفاسد نهب من خزينة الدولة أو من مشروعاتها الملايين والمليارات، أو مرر قرارات لصالح مفسدين، أو سهل إجراءات وجعل من نفسه مظلة للصوص يسرقون المال العام، أو يتم ( لوي ) أعناق القرارات لتصب في مصلحة فاسد، واستغلال المنصب والنفوذ الشخصي لفعل الفساد، كيف يود أن ننظر له حتى وإن أعاد الأموال أو جزءا من المسروق والمغتصب أن ننظر له باحترام وتقدير، وهو قد تلوثت أطراف أصابعه وحساباته البنكية بعمليات الفساد!!.
المنطق المقلوب الذي ينتظره الفاسد من الحكومة والشعب أن يتم التعاطف معه، وينظر إلى سجله العائلي والعشائري والمناطقي هكذا يريد، فبدل من اعتذاره العلني للحكومة والشعب والفقراء والمعوزين والأيتام والأرامل ومن سرق حقوقهم لمرحلة قد تصل إلى (40) سنة كان يمكن أن تكون الأموال المسروقة وفساد الضمير والأخلاق أن تبنى بها مستشفيات وجامعات ومدارس ودور للرعاية وبرامج اجتماعية للناس المعوزين والأشد فقرا، هل يريد من الناس نظرة تعاطف تاريخي.
هل يتسامح الشعب مع هؤلاء تاريخيا وليس إجرائيا وقضائيا؟ لأن الأموال سرقت من ميزانياتهم وحصصهم السنوية؟.
هل يتسامح معهم الفقراء الذين حرموا من الأموال التي كانت ستصرف على برامجهم؟.
وهل يتسامح معهم من هم يعدون من الوطنيين والمخلصين مع وطنهم، وهم يعلمون أن المفسدين إنما هم ينخرون في جسد الدولة، ويهدمون بمعاول الفساد بناء وهياكل الدولة.